في ذكرى ثورة أكتوبر.. هل سيثور اليمنيون ضد الاحتلال الجديد؟ (تقرير)
تحل الذكرى الـ57 لثورة الـ14 من أكتوبر في الوقت الذي يعاني فيه اليمن من احتلال جديد يتمثل في المشاريع السعودية والإماراتية في جنوب اليمن.
تأتي هذه الذكرى وعدن ترزح اليوم تحت احتلال جديد مُمثل في السعودية والإمارات، الأمر الذي دفع لتقصي التشابه في الآليات والسياسات التي اتبعها كل من الاحتلال القديم والجديد في بسط نفوذهما على جغرافيا اليمن الجنوبية، ويسلط هذا التقرير الضوء على الحالة التي تهدد سيادة واستقلال اليمن، وتبعث القلق على مصير الوحدة اليمنية، وكرامة وحق اليمنيين في حكم أرضهم وإقامة دولتهم.
احتلال جديد
يقول الصحفي اليمني فهد سلطان، إن الاحتلال الإماراتي أشد بؤسا وخطرا على اليمن بشكل عام وعدن بوجه خاص من الاحتلال البريطاني، موضحا أن الإمارات دولة احتلال بغيضة تدمر كل شيء في طريقها، وخطورتها أنها تدخلت في اليمن ضمن هدف عروبي وأخوي فيما أفعالها خلال السنوات الماضية أخطر من الاحتلال البريطاني.
ويقول سلطان إنه يشعر بكثير من اليأس في قدرة اليمنيين على طرد الإمارات والسعودية من اليمن، مرجحًا أن يحصل الأمر ولكن يؤكد أننا نحتاج إلى وقت طويل ربما لعقد ونصف أو أكثر.
وأكد سلطان أن هناك رفضا شعبيا للإمارات لكنه أقل مما يجب، مؤكدًا أن الإمارات تفعل أشياء احتلالية كثيرة وكلما مر الوقت كلما استطاعت أن تؤخر أي نهوض أو تنمية، مؤكدا أن السعودية تساندها وهي تعرف ما تقوم به.
ويشير سلطان إلى حقيقة أن الإمارات هي اليد الخشنة للسعودية وما يجري الآن داخل البلد هو ضرب العمود الفقري للبلد وأماكن القوة كي تبقى البلاد رخوة أكثر.
ويختتم سلطان حديثه بأن تطبيع التحالف مع إسرائيل والعلاقات القوية بين الإمارات والسعودية من جهة وبين المجتمع الدولي وخاصة الدول الكبرى والتي لها تأثير في اليمن يصب في هذا الاتجاه، تمديد الأزمة في البلد وتدمير كل مقدراته وتقاسم نفوذه.
وهن النخبة السياسية
في السياق، يقول الكاتب اليمني عبد الله شروح إن ذكرى أكتوبر تحل الآن وعدن تعاني احتلالا طارئا لا يكاد يجلب الغضب بقدر ما يجلب الضحك والسخرية، معللا ذلك بقوله إن محتل اليوم ليس بالإمبراطورية العظمى، ولا أتى من وراء البحار من قارة أخرى، فهي بحد تعبيره دويلة بلا قرار تهندس خطواتها قوى من ورائها، دويلة يمكن تعريفها بالبيدق الثري ولا شيء أكثر.
ويقول شروح إن ما يؤلم في هذا كله ليس أن عدن محتلة وإنما الوهن الذي أصاب النخبة اليمنية بالشكل الذي أدى لهذا المصير الذي وصفه بالمخزي، مستغرباً وضع بلاد تستسيغ الاحتلال الجديد وهي في الأمس القريب جرعت أقوى المستعمرين مرارة هزيمة خالدة وبممكنات يسيرة جدا.
ويختتم شروح حديثه متفائلا حيث يرى "أن هذه المعطيات تخبرنا بحقيقة تبعث الاطمئنان، فالبلاد التي نسجت في السابق نصرها الخالد على قوى البطش الأسطورية هي لا شك أقدر على إحراز نصر حاسم قريب ضد المحتلين الطارئين الفقراء جدا في الرصيد الحضاري والمعدمين تماما فيما يتعلق بالتجارب الاستعمارية".
ويقول: "هي فقط فترة تشوه عالمي كان هذا حظنا منها، أن نعيش أسوأ كوابيسها من أقل قواها اقتدارا وقدرا، ولن يلبث اليمني أن يستيقظ لذاته ويعيد مسار التاريخ إلى مجراه".
رعونة قادة الخليج
يؤكد الدكتور فيصل علي رئيس مركز يمنيون للدراسات لـ"لموقع بوست" أن ثورة الـ14 من أكتوبر لا يمكن محوها عبر السنين، واصفاً تجاهل من سماهم بيادق الاحتلال اليوم لما جرى للاحتلال في 1963، وهم يمضون في مغامرة غير محسوبة العواقب، مشيراً لحقيقة أنه لولا الثورة اليمنية ما تحررت ما سماها سلطات الريع ومشيخات الخليج كلها بلا استثناء.
ويقول: "لو كان هناك عقل خليجي يفكر بموضوعية لاحتفوا معنا بالثورة اليمنية التي أجبرت الاحتلال البريطاني على مغادرة الجزيرة العربية برمتها".
وأضاف: "لا يأتي الاحتلال دفعة واحدة وإنما يبدأ بمراحل اختبار، مراحل تسبقه لتستطلع أمامه، وهو يستفيد من فشل بعض القوى التي حاولت القيام بما يريد القيام به".
ويؤكد الباحث اليمني أن الإمارات ليست سوى واجهة لاحتلال يتخفى خلفها، وقد قبل حكامها أن يكونوا بالونة اختبار أولية تسبق الإنجليز الذين يريدون إعادة خريطة تقسيم اليمن التي وضعوها مع الرجعية في السابق.
وبحسب فيصل علي فإن الثورة اليمنية حققت هدفا عظيما من أهدافها وذلك بإعادة تحقيق الوحدة اليمنية عام1990، وهو ما اعتبره عاملا أغاظ الاحتلال الذي دفع بالأوضاع نحو الحرب اليمنية الأهلية، لافتا النظر إلى أن الإمارات والسعودية خرجتا خاسرتين في تلك الحرب سنة 1994، مشيرًا إلى وجود أخطاء محلية لا أحد ينكرها ارتكبتها السلطات اليمنية والتي تصارعت فيما بينها في تلك الفترة.
واختتم فيصل حديثه بالقول :"الإمارات اليوم تحاول الخروج من واقعها كدولة خلفية لا أهمية جيوسياسية لها خاصة بعد عودة طريق الحرير والذي سيمر بالقرب من السواحل اليمنية، وهي تبحث عن دور في إطار الصراع الدولي بين القوى الكبرى، وقبلت أن تكون وكيلا قذرا للاحتلال الذي يخاف من سيطرة الصين على اقتصاد العالم".
عوامل داخلية
الباحث اليمني نبيل البكيري مدير مركز باب المندب للدراسات الإستراتيجية يقول : "في التاريخ اليمني قاعدة واضحة كلما عاد الاستبداد الداخلي عاد الاستلاب الخارجي فهما متلازمان دائما فعودة الإمامة لصنعاء يعني عودة الاستعمار لعدن".
ويأسف البكيري لكون عدن مستلبة بيد أبناء الوطن ذاته الذين قبلوا العمل كيافطات بيد قوى خارجية، مؤكدًا أن "ما يجري في عدن شيء خارج سياق المنطق والتاريخ، حينما يتحول أبناء الوطن إلى أدوات لاستلاب وطنهم وتقديمه للطامعين بمقدراته وخيراته".
ويختتم البكيري حديثه قائلا: "شيء مؤسف أن تأتي الذكرى الـ57 لثورة الـ14 من اكتوبر وعدن بهذا الوضع الشاذ الذي لو قدر للشهداء الأبطال الإفاقة اليوم والقوا نظرة للعنوا هذه اللحظة وقرروا النضال من جديد".
بدوره، يتحدث الكاتب محمد المياحي بالقول إن الجنوب لا يحتاج إلى ثورة واحدة فقط للتخلص من الوجود العسكري الأجنبي في أراضيه، بل لثورتين متوازيتين، ثورة لتحرير المصير الوطني من أيدي القوى الجنوبية الناطقة باسمه والعاملة مع الخارج، وثورة لطرد القوات الخارجية المتواجدة بشكل مباشر.
ويؤكد المياحي أن الواقع الذي يتم تكريسه اليوم في جنوب اليمن يتطابق مع ما تحلم به السعودية والإمارات من بقاء الدولة اليمنية هشة، وبما يمكنهم من السيطرة عليها وتمرير أطماعهم دون وجود أي معيق حقيقي يمنعهم من إنجاز أطماعهم.