اليمن.. العيد في زمن الحرب والحصار ينكأ جراح المعاناة ويسلب الناس ابتسامة الفرحة

وطني بوست - القدس العربي 


مفردات "الحرب" و"الحصار" أصبحتا متلازمة المعاناة الدائمة لليمنيين، في هذا "الزمن الأغبر" كما يسميه عامة الناس، منذ اندلعت الحرب الأهلية في البلاد نهاية العام 2014، ويزداد وقع هذه المتلازمات ومرارة معاناتها مع حلول كل عيد أو مناسبات فرائحية، لما يصعب على اليمنيين خلالها التمتع بحياة طبيعية مفعمة بالفرحة والسعادة، التي أصبحت من مفردات الماضي.

 

لا يكاد يذكر العيد في اليمن إلا ويرتبط بالمزيد من المعاناة، ليس بسبب الحرب فقط ولكن بسبب الحصار أيضاً، الذي قد يكون تأثيره أكثر وقعاً على حياة اليمنيين بل وأكثر إيلاماً من تأثير الحرب، حيث تقلّب يومياته المواجع وتنكأ الجراح الغائرة في أعماق اليمنيين وتضاعف من معاناتهم.

 

محافظات الشمال قد تكون الأكثر تأثراً بهذا الواقع، لكن الحال من بعضه في محافظات الجنوب أيضاً، فحيثما توجد جماعات مسلحة مناهضة للدولة، تتخلّق بيئة موازية للمعاناة تنبعث من رحم الاقتتال والحصار وبقية المفردات المرادفة لها، وأبرز مثال على ذلك ما يدور في محافظات تعز وعدن والعاصمة صنعاء.

 

قال أحمد الشيباني، موظف من مدينة تعز: يحلّ على العالم الإسلامي الخميس عيد الفطر المبارك، لكنه لم يعد العيد الذي يجلب الأفراح والسعادة في قلوبنا كيمنيين، بقدر ما يقلّب مواجعنا ويضاعف آلامنا، لما تنعكس تبعاته وأجواؤه على حياتنا، حيث للمرة السادسة تقريباً لم يستطع اليمنيون التمتع بفرحة العيد ولا بقضاء أيامه بالشكل الفرائحي المعهود في مثل هذه المناسبات.

 

وأرجع أسباب ذلك إلى أجواء الحرب أولاً التي لا تجعل من الممكن قضاء العيد بكل مفرداته وأجوائه، وثانياً الحصار المصاحب لأجواء الحرب. على سبيل المثال، يعيش سكان مدينة تعز حصاراً دائماً لنحو ست سنوات من قبل ميليشيا جماعة الحوثي التي أصابت المدينة بـ"الاختناق" ومزّقتها إلى مناطق "حوثية" وأخرى "حكومية" والتي تسببت في تشتت الأسر واستحالة التواصل بينهم خلال فترة الأعياد أو المناسبات الفرائحية كالأعراس أو حتى الحزينة كالمشاركة في مراسم التشييع والجنائز وغيرها.

 

وأوضح أن ميليشيا الحوثي تسيطر على الضواحي الشرقية والشمالية وبعض الغربية ومغلقة لكافة الطرق الرئيسية المؤدية لمدينة تعز من هذه الجهات، في حين تقع المدينة تحت سيطرة قوات الحكومة الشرعية، وبالتالي تمزقت الأسر بين هذه المناطق، حيث لا يستطيع أفراد العائلة القاطنين في المدينة الانتقال إلى مناطق سيطرة الحوثيين لزيارة بقية أفراد العائلة إلا بشق الأنفس، وبتكاليف باهضة تزيد عن إمكانيات الأسر البسيطة التي فقدت كل أو أغلب مصادر دخلها.

 

عزيزة سعيد، من سكان مدينة تعز، قالت إنها تقيم في منطقة الحوبان، الضاحية الشرقية لمدينة تعز، والتي تسيطر عليها جماعة الحوثي، بينما أبناؤها يعملون ويقيمون في وسط مدينة تعز، ولم تستطع زيارتهم منذ اندلاع الاقتتال في تعز عام 2015، فالمسافة التي كانت بينهم قبل الحرب لا تتعدى نصف ساعة بالسيارة عبر الطريق الرسمي، أصبحت اليوم تتجاوز أربع ساعات عبر طريق جبلية وعرة لا تعبرها إلا السيارات الرباعية الدفع، وبتكاليف باهظة.

 

وأوضحت أن أبناءها كذلك لا يستطيعون زيارتها أيضاً خشية أن يقبض عليهم الحوثيون دون سبب غير أنهم من سكان مناطق الشرعية. وقاسم العبسي قال إنه لم يستطع حضور مراسم تشييع والدته، لأنه مقيم في مدينة تعز بينما منزل العائلة في قرية الأعبوس، شرقي محافظة تعز، حيث يسيطر الحوثيون على الطرق المؤدية إليها، كما أن العديد من أفراد الأسر لم يستطيعوا حضور مناسبات الزواج، بسبب تشتت أفرادها بين مناطق الشرعية ومناطق الحوثيين.

 

وتابع أنه في هذه الأوضاع أصبح التئمام شمل الأسر خلال فترة العيد شيئاً من المُحال، لمن يعيشون بين الريف والمدينة، حيث إن 70 في المائة من الأسر اليمنية تعيش في الأرياف، بينما يعمل أبناؤها في المدن، وكانوا يتخذون من إجازات الأعياد ومناسباتها فرصة لزيارة أهاليهم ومناطقهم الريفية.

 

المقيمون في العاصمة صنعاء الواقعة تحت سطيرة الحوثيين يعانون أيضاً من حصار آخر، وهو إغلاق مطار صنعاء الدولي من قبل التحالف العربي بقيادة السعودية، وهو ما جعل حياتهم في غاية الصعوبة، حيث لا مجال لسفر مرضاهم خارج البلاد أو سفر أبنائهم إلى خارج اليمن، إلا عبر مطاري عدن أو سيئون في محافظة حضرموت، حيث يقع الأول تحت سيطرة ميليشيا المجلس الانتقالي الموالي للإمارات، ويقع الآخر تحت سلطة الحكومة الشرعية، وبالتالي أصبح العيد موسماً لمضاعفة معاناتهم وآلامهم لصعوبة التئام أسرهم وتجمعهم كما كان معهوداً في السابق قبل الحرب.

 

والوضع نفسه ينطبق أيضاً على بعض محافظات الجنوب، مثل عدن ولحج والضالع، حيث تسيطر عليها ميليشيا المجلس الانتقالي بقبضة حديدية والتي تشردت بسببها الكثير من الأسر، المعارض أبناؤها للسياسية الإماراتية في الجنوب، حيث أصبحت ساحة هذه المحافظات مسرحاً للاغتيالات خلال السنوات الماضية للمناهضين للسياسة الإماراتية في اليمن.

 

ونتيجة لذلك اضطر الكثير من أبناء هذه المحافظات الجنوبية مغادرتها نحو محافظات أخرى أو إلى ملاجئ ومهاجر خارج البلاد، هروباً من جحيم ميليشيا المجلس الانتقالي التي لا تتعامل مع معارضيها إلا بلغة الرصاص أو الاحتجاز المميت في معتقلات تعد الأسوأ في البلاد بعد معتقلات جماعة الحوثي في المحافظات الشمالية.