أسلحة الحرب واستراتيجياتها تطغى على ألعاب أطفال اليمن
ألقت الحرب المتواصلة التي تشهدها محافظات اليمن منذ مارس/آذار 2015، بظلالها على الأطفال الذين يحاولون محاكاة أحداثها في لعبهم، ويعمد بعضهم إلى تجسيد الاقتحامات العسكرية، أو الهجوم على مواقع العدو والسيطرة عليها، ووصولاً إلى تنفيذ عمليات أسر جنود الطرف الآخر في الصراع. وبات الكثير من أطفال اليمن يعرفون معلومات عدة عن أنواع الأسلحة، من "الكلاشنيكوف" إلى "الأر بي جيه" و"البازوكا"، وصولاً إلى مضادات الطيران والقنابل اليدوية.
عايش الطفل اليمني عبد الرحمن (14 سنة) تفاصيل الحرب التي شهدتها منطقته في جبل صبر بريف محافظة تعز، حيث اعتاد على رؤية المسلحين المدججين بأنواع الأسلحة في قريته، وسماع أصوات القذائف والانفجارات، ومع تأثره المتكرر بها صارت الحرب هي اللعبة اليومية التي يمارسها مع أقرانه، إذ يلعبون باستخدام مجسمات لأسلحة صنعوها من الأخشاب وبعض الألعاب التي تشبه الصواريخ.
بات عبد الرحمن شغوفاً بالأسلحة، ويحلم بامتلاك سلاح حقيقي، وذات يوم، وصلت إلى يده قذيفة غير متفجرة تعود لمضاد طيران من العيار 37، فحاول أن يلعب بها، إذ بدأ بقطع القذيفة باستخدام منشار حديدي بغرض استخراج البارود الخاص بها، لكن ذلك تسبب بانفجارها، ليقتله الانفجار على الفور.
ويستخدم كثير من الأطفال العصي والعلب المعدنية في صناعة أشكال مشابهة لقطع السلاح والمستلزمات العسكرية، ووصل الأمر ببعض الأطفال إلى اختراع قنبلة يدوية عبر استخدام كميات قليلة من مواد تنظيف الحمامات التي تحتوي على مادة حمضية، ووضعها داخل علبة مياه غازية بلاستيكية، مع إضافة قطع صغيرة من القصدير كالشظايا، ورجها لبضع ثوان، ثم قذف العلبة في الهواء، ليتفاعل الحمض مع القصدير، ويحدث انفجاراً يمكن أن يتسبب في جروح خطيرة حال انفجاره بالقرب من أحد الأشخاص.
تعمل الأخصائية النفسية رقية الذبحاني، في أحد المراكز بمدينة تعز، وعقدت خلال فترة الحرب العديد من الجلسات النفسية مع العديد من الأطفال الذين تأثرت سلوكياتهم، أو تعرضوا لصدمات نفسية. تقول لـ"العربي الجديد": "يتأثر الأطفال بالحرب بأشكال مختلفة، ولعدة أسباب، نفسية واجتماعية، فهم بطبيعتهم يميلون إلى تقليد أي شي يرونه أو يسمعونه، سواء في الأخبار، أو من تجاربهم الشخصية، أو حتى القصص التي يسمعونها من الكبار، وهذه القصص تمنحهم دافعاً لتطبيقها في ألعابهم، وهم معرضون لتفاصيل الحرب منذ سنوات، ويشاهدون حلقات العنف والصراع، ما يؤثر على فهمهم لما حولهم، فيقومون بالتعبير عن ذلك حسب ما فهموه".
وتضيف الذبحاني، أن "اللعب هو الوسيلة الأهم التي يعبر بها الطفل عن مشاعره، وعما يريد قوله، وهو يلجأ إلى ممارسة ألعاب تتعلق بالحرب في محاولة منه ليقول إنه موجود، ويفهم ما يدور من حوله، إضافة إلى أن الأطفال يشعرون أحيانا بالعجز بسبب كونهم غير قادرين على عمل بعض الأشياء بسبب الأوضاع والأحداث القائمة، فيعمدون إلى تمثيل هذه المشاهد، وخلال هذه الألعاب التمثيلية، يحاول الطفل التحكم بالمشاهد كي يشعر أنه قادر على السيطرة على الوضع، والتحكم بمشاعره خلال السياق الخيالي".
تتابع أن "الكثير من المخاطر تؤثر على تنشئة الأطفال في أوقات الحرب، وللأسف يصاب كثيرون بالقلق والخوف بسبب القصص التي سمعها، أو العنف الذي شاهده، وهذا قد يكون مزمناً، ما يؤثر على شعوره بالأمان، إضافة إلى أنه يسبب له توترات نفسية، ويحرمه من الاستقرار النفسي، والأمر فقد يؤثر على الصحة العقلية وعلى السلوك، فيتحول إلى شخص عدواني أو انسحابي، وبعضهم يرى في المسلحين قدوة، أو يصبح عاجزاً عن التعلم، أو يعاني من ضعف في الذاكرة، وكل هذا يؤثر سلباً على تحصيله الدراسي، إضافة إلى التأثيرات طويلة المدى، مثل اضطراب ما بعد الصدمة، والذي يمكن أن يتفاقم إلى مشاكل نفسية مزمنة".
وترى الأخصائية النفسية أن "واجب المجتمع والجهات الحكومية والمنظمات المختصة يتركز على القيام بالتوعية والتثقيف من خلال حملات وفعاليات تستهدف الأهالي والمعلمين والأطفال، مع تقديم التأهيل النفسي للأطفال الذين تأثروا بالحروب، ويمكن تنظيم ورش عمل متخصصة، وأنشطة تهدف إلى توعية الأطفال، وتنشر الوعي بكيفية حمايتهم، وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي لهم ولأسرهم، وإنشاء مراكز إرشاد تقدم المشورة للأطفال والأسر بالمجان، خاصة المتأثرين من الصراعات، مع العمل على إصدار تشريعات وقوانين تحمي الأطفال".
وحسب منظمة الصحة العالمية، شهد اليمن خلال سنوات الحرب التسع الماضية، ارتفاعاً كبيراً في احتياجات الصحة النفسية، والتي شكلت تراكمات مؤثرة نتيجة الصراع والحرمان، لاسيما الأطفال. وتشير المنظمة الأممية إلى أن "10,76 ملايين طفل في اليمن يعانون من عدم القدرة على الوصول إلى الصحة العقلية، كما يعانون من انقطاع الوصول إلى التعليم الجيد، ما يشكّل مصدر قلق في ما يتعلق بالنمو المعرفي والعاطفي لهؤلاء الأطفال".
وتقدر المنظمة أن عدد العاملين بالطب النفسي في أنحاء اليمن لا يتجاوز 59 طبيباً. ويُقدّر متوسط عدد العاملين الصحيين المتخصّصين في الصحة النفسية (أطباء وممرضون ومعالجون)، بنحو 300 فرد، بمعدل متخصّص واحد لكل مائة ألف نسمة. وبحسب تقرير الاحتياجات للعام الجاري، الصادر عن منظمة الصحة العالمية، يعاني نحو سبعة ملايين شخص في اليمن من أمراض نفسية، وهم بحاجة إلى الرعاية، لكن 120 ألف يمني فقط يمكنهم الوصول إلى خدمات الصحة النفسية.
العربي الجديد