شباب اليمن يبتعدون عن التعليم الجامعي
كان للحرب في اليمن تأثيراتها الكبيرة على الواقع التعليمي في البلاد، في ظل تراجع أعداد الملتحقين بالتعليم الجامعي لأسباب عدة، من بينها الواقع الاقتصادي والتجنيد وغير ذلك.
خلال سنوات الحرب التي يعيشها اليمن منذ عام 2015، شهدت الجامعات اليمنية عزوفاً كبيراً عن الالتحاق بالتعليم الجامعي، ما يعدّه البعض مؤشراً خطيراً ينبئ بمخرجات سلبية تتعلّق بمستقبل البلاد الذي سيعاني بسبب تراجع عدد الطلاب الجامعيين. أسبابٌ عدة تقف وراء حالة العزوف، أبرزها الوضع الاقتصادي المتدهور في البلاد، وعدم حصول أساتذة الجامعات على رواتبهم، واضطرار الكثير منهم إلى مغادرة البلاد، بالإضافة إلى التجنيد في صفوف المتحاربين، وتطييف التعليم الجامعي وتوظيفه للتعبئة العسكرية، بالإضافة إلى انعدام الوظائف، والعادات والتقاليد التي تقف حائلاً دون إكمال الفتيات تعليمهن.
ويفيد التقرير السنوي لجامعة صنعاء لعام 2023 - 2024 والمنشور على موقع الجامعة على الإنترنت، وهي كبرى الجامعات اليمنية التي تسيطر عليها جماعة أنصار الله الحوثيين وتضم 19 كلية، بحجم التسرب الجامعي نتيجة الظروف الصعبة التي يعيشها المواطن و"العدوان الغاشم على البلاد".
بلغ عدد الطلاب المقبولين للعام الجامعي 2022 - 2023، 10579 طالباً وطالبة، علماً أن أعداد الطلاب المسجلين في الجامعة هو 50660 طالباً وطالبة، فيما كان الطلاب المسجلون خلال العام الذي سبقه 57668 طالباً وطالبة، والعام الذي سبقه 58025 طالباً وطالبة، أي أن عدد الطلاب خلال عامين فقط تناقص بـ 7365 طالباً وطالبة، وهو عدد يقترب من عدد المسجلين في العام الواحد.
وخلال العام الجامعي 2020 - 2021، بلغ عدد الخريجين 7064 طالباً وطالبة، فيما بلغ عدد الخريجين خلال عام 2021 - 2022، 6474 طالباً وطالبة، وهو مؤشر خطير على تناقص خريجي التعليم الجامعي في جامعة صنعاء. وخلال العام الجامعي 2022 - 2023، شهدت كليات كبرى عزوفاً غير مسبوق عن الالتحاق بها وبأقسامها.
على سبيل المثال، بلغ عدد الملتحقين بقسم التاريخ - كلية الآداب أربعة طلاب فقط، وقسم الفلسفة سبعة طلاب، وقسم اللغة الفرنسية خمسة طلاب، وقسم اللغة العربية ستة طلاب، فيما بلغ عدد الطلاب الملتحقين بالكلية والتي تضم 12 قسماً 282 طالباً وطالبة فقط.
وفي كلية التربية الرياضية، بلغ عدد الملتحقين 13 طالباً فقط، وكلية التربية في صنعاء، والتي تعدّ من أكبر الكليات، بلغ عدد الملتحقين فيها 492 طالباً فقط موزعين على 12 قسماً، كما أن الملتحقين بكلية العلوم 114 طالباً فقط موزعين على ستة أقسام.
وتضمن التقرير في أحد فصوله ما يعتبره الكثيرون من أسباب عزوف الطلاب عن الالتحاق بالجامعة، وهو فصل بعنوان "أنشطة الصمود"، يتضمن الفعاليات الطائفية التي أقامتها الجامعة، مثل فعالية مركزية لأسبوع الشهيد، وفعالية الذكرى السنوية لاستشهاد حسين بدر الدين الحوثي، وفعالية ذكرى يوم الصرخة، وندوة ثقافية بمناسبة يوم الولاية، وأسئلة من محاضرات السيد القائد.
ويقول الباحث التربوي سمير الشرعبي، لـ "العربي الجديد"، إنّ "الحوثيّين حوّلوا المدارس والجامعات إلى ثكنات عسكرية، وأمكنة لغسل العقول من خلال المناهج التعليمية. على سبيل المثال، أضافوا مواد دراسية طائفية للمقرر الجامعي لجميع كليات جامعة صنعاء، بالإضافة إلى إرغام الطلاب والأساتذة على حضور فعاليات طائفية داخل الحرم الجامعي". يضيف أن "الحوثيين يستخدمون الجامعات للتعبئة والتجنيد في صفوف المليشيا، وبالتالي فإن الكثير من الأسر تفضل ألا يلتحق أبناؤها بالجامعات الخاضعة لسيطرة الحوثيين، حفاظاً على أبنائها من الوقوع ضحايا للفكر الطائفي والمليشياوي للجماعة". وعملت جامعة صنعاء على اتخاذ إجراءات لمعالجة المشكلة فمددت فترة التسجيل في الجامعة، كما خفضت نسبة القبول في الكليات. وفي كلية التربية، خفضت نسبة القبول إلى خمسين في المائة في ستة عشر تخصصاً، وكلية الآداب في اثني عشر تخصصاً، فيما تراوحت نسبة القبول في كليات علمية أخرى كالهندسة ما بين 55% إلى 65%.
العزوف عن الالتحاق بالتعليم الجامعي ليس حكراً على مناطق سيطرة الحوثيين، بل يمتد إلى مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دولياً، وبلغ عدد الملتحقين بجامعة تعز خلال ثلاثة أعوام 2020 ـ 2023، 25542 طالباً وطالبة. كما أن عدد الملتحقين بالدراسة في جامعة تعز خلال عام 2022 ـ 2023 لم يتجاوز 7000 طالب وطالبة، رغم بلوغ عدد خريجي الثانوية للعام ذاته في تعز نحو 24000 طالباً وطالبة، بحسب إحصائيات مكتب التربية والتعليم بتعز.
وألقت الحرب التي تعيشها البلاد منذ 2015 بآثارها السلبية التي تسببت بالعزوف عن الالتحاق بالتعليم الجامعي، منها الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تجعل الطالب عاجزاً عن الالتحاق بالجامعة، بالإضافة إلى توقف التوظيف في مؤسسات الدولة بشكل تام منذ عام 2013، ما جعل الشباب يلجؤون إلى البحث عن فرص عمل، أو اللجوء إلى خيار الاغتراب في الخارج والعمل في القطاع الخاص من أجل توفير لقمة العيش.
كما أن الحرب جعلت الشباب وقوداً لها من خلال التحاقهم بالتجنيد لدى طرفي الحرب، الحكومة الشرعية والحوثيين، لحصول الشاب على راتب شهري يساعده على مواجهة أعباء الحياة. أضف إلى ذلك العادات والتقاليد التي تقف عائقاً أمام إكمال معظم الفتيات في اليمن دراستهن الجامعية، إذ ترى معظم الأسر، وخصوصاً تلك الريفية، أن مستقبل الفتاة هو في زواجها.
إلى ذلك، يقول عالم الاجتماع عبد الكريم غانم، لـ "العربي الجديد"، إن "أسباب عزوف الطلاب في اليمن عن الالتحاق بالتعليم الجامعي تتمثل في فقدان الكثير من الأسر لمصادر دخلها، جراء الحرب والحصار، فكلما تراجع دخل الأسرة اقتصر إنفاقها على الاحتياجات الأكثر أولوية، كالغذاء والدواء والمسكن والملبس. وما يعزز من هذا الاتجاه أن الإنفاق على التعليم، لا سيما في الجامعات الحكومية، تراجع بشكل كبير، كما شهد هذا القطاع خلال السنوات الماضية هجرة الآلاف من الكوادر الجامعية جراء انقطاع الرواتب، خصوصاً في مناطق سيطرة الحوثيين، ما أسهم ذلك في تراجع جودة التعليم وتراجع الطلب على الالتحاق بالجامعات، في ظل عجز الدولة عن التوظيف وانخفاض فرص العمل وتدني مستوى الأجور أمام خريجي الجامعات في القطاعين الخاص والحكومي، بالمقارنة مع الملتحقين بالتجنيد الممول من قوى إقليمية".
يضيف غانم أن "تراجع دخل الأسرة اليمنية أدى إلى تراجع الشباب عن الانخراط في التعليم الجامعي. وتميل الكثير من الأسر إلى تحسين مصادر عيشها، سواء عبر التحاق أبنائها بالتجنيد، أو التحاقهم بمهن هامشية للحد من وطأة الفقر". ويلفت غانم إلى أن ذلك يؤشر على دخول المجتمع مرحلة من الركود قد تستمر لعقود مقبلة على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية. فكما هو معلوم، فإن التعليم هو المحرك لعجلة تطور المجتمع في شتى المجالات، وتراجع الإقبال على التعليم الجامعي سيترتب عليه العجز عن إمداد سوق العمل بالكوادر التي تلبي احتياجات عملية التحديث والتنمية".
ويؤكد غانم أنه ما لم تتظافر الجهود الرسمية والأهلية لإنقاذ التعليم الجامعي في اليمن، وإصلاح نظام الأجور للكوادر الجامعية في القطاعين الخاص والعام والانتظام في دفع الرواتب، سيستمر التعليم الجامعي في انهياره لناحية العجز عن استيعاب مخرجات التعليم العام، والالتزام بمعايير جودة التعليم الجامعي المعمول بها عالمياً، تفادياً لإخراج الجامعات اليمنية من التصنيف العالمي لجودة التعليم الجامعي، واستشعاراً بالحد الأدنى من المسؤولية الأخلاقية تجاه هذا القطاع الحيوي الذي يُعول عليه في ضخ الحياة في شرايين المجتمع".
العربي الجديد