ما وراء تعليق الانتقالي مشاركته في مشاورات الرياض؟
تعثرت مجددا محاولات تنفيذ بنود اتفاق الرياض، بعد أن تم إحراز بعض التقدم فيه، وبدأ الحديث عن التوصل لتوافقات بشأن تشكيل حكومة جديدة ستكون برئاسة رئيس الوزراء الحالي معين عبد الملك.
وأعلن ما يعرف بـ"المجلس الانتقالي الجنوبي" تعليق مشاركته في مشاورات تنفيذ اتفاق الرياض، مبررا ذلك بقوله إن الحكومة لم تلتزم بقرار وقف إطلاق النار المتفق عليه، وأنها مستمرة بالتحشيد باتجاه الجنوب، إضافة إلى انهيار الخدمات العامة في الجنوب وتدهور الاقتصاد.
وكان مصدر حكومي مطلع أكد لـ"الموقع بوست"، في وقت سابق، أن اللجنة العسكرية المكلفة من جانب الشرعية لمتابعة الشق الأمني والعسكري في اتفاق الرياض متوقفة عن العمل منذ ثلاثة أشهر.
وعن أسباب ذلك، ذكر أن تجميد عمل اللجنة غير المعلن يأتي بعد تسلم اللجنة العسكرية السعودية زمام الأمور بشكل كامل، مؤكدًا أن الأخيرة لم تحقق أي تقدم لإنجاح الشق الأمني والعسكري الذي كان من المفترض بدء العمل فيه عقب تنفيذ اتفاق الرياض الموقع في نوفمبر من العام الماضي.
مع حدوث ذلك التراجع الواضح وتكرار فشل الاتفاق، رأى وزير النقل المستقيل صالح الجبواني أن تعليق الانتقالي مشاورات الرياض يؤكد أن المجلس لن ينفذه، وأنهم جماعة عصبوية مرتبط وجودها بالسلاح والفوضى.
من جهته، كشف مختار الرحبي، مستشار وزير الإعلام، أن تعليق الانتقالي جاء بضغط إماراتي، هروبا من تنفيذ الشق العسكري والأمني ولأسباب بينها مشاكل داخلية (في المجلس) ونزاع على المناصب.
لكن رئيس الجمعية الوطنية فيما يعرف بالمجلس الانتقالي الجنوبي باليمن، اللواء أحمد سعيد بن بريك، فهو يعتقد أن من أوكلت لهم السعودية إدارة ملف مفاوضات الرياض، ويقصد سفير المملكة لدى اليمن محمد آل جابر، تعامل باستهتار مع الملف والقضية الجنوبية، مؤكدا وجود خيارات أخرى بالنسبة لهم، ومحذرا من "انفجار الشعب الجنوبي".
وتؤكد الحكومة اليمنية على ضرورة تنفيذ اتفاق الرياض كاملا وفق الأطر الزمنية المحددة، في حين يتمسك الانتقالي باستعادة ما يصفها بـ"دولة الجنوب".
إطالة أمد الصراع
ومنذ تم توقيع اتفاق الرياض في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، لم يتم إحراز أي تقدم مؤثر على الأرض يسهم في استقرار الجنوب، كما أن القوى هناك منقسمة ولا تؤيد جميعها الانتقالي، وتريد أن يكون لها حصتها في الحكومة الجديدة.
ويعتقد الكاتب والباحث موسى عبد الله قاسم أن السبب الحقيقي وراء تعليق الانتقالي مشاركته في مشاورات اتفاق الرياض، إطالة أمد الصراع اليمني وإنهاك وتيئيس الشرعية، ربما للقبول بصفقات تمس مستقبل اليمن، وتصب في صالح السعودية والإمارات على حد سواء، ويؤشر على ذلك أن الحرب لم تحقق شيئا سوى تمزيق البلاد وملشنته جنوبا وتمكين المليشيات السلالية شمالا، حسب قوله.
وأفاد لـ"الموقع بوست" أن اتفاق الرياض مصمم لإشغال الشرعية أولاً والرأي العام اليمني والخليجي ثانياً، مستغربا من تعليق الانتقالي مشاركته في مداولات تطبيق اتفاق الرياض، ويتساءل: "كيف لاتفاق تم برعاية السعودية، الدولة المتحكمة في كل شيء داخل اليمن في الوقت الراهن، أن تسمح لطرف في الاتفاق بتعليق مشاركته وهي الضامنة على تنفيذ بنود هذا الاتفاق وفقاً لديباجة الاتفاق؟".
وقال إن "الانتقالي الذي يتواجد قادته في الرياض لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يخرجوا عن الخط المرسوم لهم سعوديا، ذلك أن بقاء هذا المجلس من عدمه بيد السعودية، سيما وأن تشكيله عسكرياً وسياسياً تم برعاية التحالف الذي تقوده هي وأبوظبي".
وبشأن تبرير بعض قيادات الانتقالي تعليقهم لمشاركتهم في المشاورات بأنه بسبب استهتار سفير الرياض لدى اليمن بهذا الملف، يؤكد قاسم أن من المستحيل أن يكون مثل هذا الطرح صحيحا، ذلك لأن السعودية لو فعلاً أرادت تنفيذ الاتفاق لتم ذلك خلال أقل من أسبوعين، وآل جابر أصبح المحرك الأول لكثير من الملفات في اليمن، ولا يمكن للمجلس أن يعصي له أمرا، وفق تعبيره. وبحسب قاسم فإن المملكة إذا رفعت غطاءها عن المجلس الانتقالي وكفّت يد الإمارات عن التدخل في الشأن اليمني، فإن هذا التشكيل الوظيفي سيذوب، لأنه يستمد قوته من الرياض وأبوظبي، فضلا عن كونه لا يحظى بدعم ومساندة شعبية من أبناء الجنوب.
وخلص من ذلك بالقول إن هناك لعبة تدور في أروقة المتحكمين باليمن، وباتت الشرعية عاجزة عن فعل أي شيء، في الوقت الذي أصاب الملل اليمنيين الذين يعانون جراء الحرب.
ضغط لتحقيق مكاسب
وبالنظر إلى تزامن تعليق الانتقالي مشاركته في مشاورات الرياض مع وصول محافظ عدن الجديد إلى البلاد، يرى الإعلامي وديع عطا أن ذلك تكتيك يراد به انتزاع المزيد من المكاسب، مستغلين مرونة موقف الشرعية وحرص الرئيس عبد ربه منصور هادي على استكمال تنفيذ الاتفاق.
ومن وجهة نظره في حديث له مع "الموقع بوست" فإن ما يحدث محاولة من قِبل الانتقالي للقفز على الشق العسكري، لأنه الملف الأهم في الاتفاق، كونه يسلبهم إدارة السلاح الذي لديهم والذي سيكون تحت إشراف وزير الدفاع الذي سيختاره الرئيس ولا يخضع لترشيحات الأطراف.
وأشار إلى حديث البعض بأن موقف الانتقالي تم بإيعاز من أبوظبي، وهو صفعة بوجه الرياض التي تعد الراعي والضامن للاتفاق، والغرض من ذلك تأديب السعودية التي لم تبارك حتى الآن اتفاق التطبيع الإماراتي مع الكيان الصهيوني.
يُذكر أنه بعد ساعات من إعلان الانتقالي تعليق مشاركته في مشاورات اتفاق الرياض، تجددت الاشتباكات بين مليشيات المجلس والقوات الحكومة في أبين، التي تشهد توترا من حين لآخر.