حرب غزة.. أزمة الوقود تعود بالحياة إلى البدائية

الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة منذ 34 يوما أعادت ظروف الناس فيه إلى الحياة البدائية القديمة، وهو ما يظهر في مشاهد أبرزها الطهي على النار والانتقال لجلب المياه من أماكن بعيدة، والتنقل على عربات تجرها الحيوانات.


في القطاع المحاصر يعتمد المواطنون في الطهي على إشعال النار باستخدام ورق الكرتون أو الحطب إن توفرت لديهم المواد الغذائية التي تشهد نقصا شديدا للغاية خاصة في المناطق الشمالية.


كما ينقلون المياه اللازمة للاستخدام اليومي عبر الدلاء والأوعية البلاستيكية إن وجدت، بينما تعاني شريحة واسعة في مختلف أنحاء القطاع من ندرة المياه الصالحة للشرب.


وفي تنقلاتهم إلى الأماكن البعيدة بات الفلسطينيون في غزة يعتمدون على العربات التي تجرها الحيوانات؛ حتى وصل بهم الأمر أن نقلوا المصابين وضحايا القصف الإسرائيلي إلى المستشفيات بواسطة هذه العربات.


ومنذ 7 أكتوبر/تشرين أول يشن الجيش الإسرائيلي حربا على القطاع، دمر خلالها أحياء كاملة على رؤوس سكانها، واستهدفت طائراته المستشفيات والمدارس والمساجد، وقتل أكثر من 10 آلاف و569 فلسطينيا بينهم 4324 طفلا و2823 سيدة و649 مسنا، وأصاب أكثر من 26 ألفا آخرين، بحسب مصادر رسمية.


الطهي


سكان غزة يعانون حاليا من وضع إنساني وصحي كارثي، إذ نزح نحو 1.4 مليون نسمة من أصل 2.3 مليون من منازلهم، ومنعت إسرائيل عنهم إمدادات الغذاء والماء والأدوية والكهرباء والوقود، مع استمرار القصف العنيف بلا توقف.


في مدينة رفح جنوب القطاع، يخرج أطفال بين أزقة الشوارع في رحلة يومية صباحية للبحث عن أوراق الكرتون اللازمة للطهي.


ورفح إحدى مدن الجنوب حيث يطلب الجيش الإسرائيلي من سكان الشمال ومدينة غزة بالتوجه إلى جنوب القطاع زاعما أنها "مناطق آمنة وفيها مقومات الحياة".


تعتمد عائلات هؤلاء الأطفال على الكرتون في إشعال النار لطهي ما يتوفر من طعام زهيد وبسيط، في ظل الشح الشديد بالمواد الغذائية.


البعض ممن يتوفر لديهم بعض الدقيق، يشعلون الفحم الأسود في صناعة الخبز.


والثلاثاء، أعلن متحدث وزارة الداخلية في القطاع إياد البزم، توقف عمل جميع المخابز في غزة بسبب قيام الطائرات الإسرائيلية باستهدافها بشكل مباشر وعدم توفر الوقود والدقيق، ما يهدد بالتسبب بـ"كارثة خطيرة".


بات الكثير من سكان هذه المناطق يعتمدون في طعامهم على المواد الغذائية المعلبة إن وجدت، حيث قلصوا وجباتهم لواحدة يوميا كي يحافظوا على ما تبقى لديهم من مخزون.


أما الحال في مدينة غزة ومناطق الشمال فيبدو مختلفا، وباتت تعاني من نفاد المعلبات وغالبية المواطنين لا يجدون طعاما يتناولونه.


أحد سكان مخيم جباليا شمال قطاع غزة، قال للأناضول، إن ما تبقى لدى عائلته من مخزون الطعام هو رغيف خبز واحد، تم تخصيصه للأطفال فقط الذين لا يتحملون الجوع.


وأضاف: "يومان أو أكثر وسندخل في مجاعة، ونتخوف من عدم توفر المياه الموجودة بشكل شحيح أصلا في وقت لاحق".


المواصلات


كما أن انعدام الوقود أثر على حالة المواصلات في جميع أنحاء القطاع، ويضطر آلاف المواطنين للتنقل من مكان لآخر سيرا على الأقدام.


ومؤخرا، بات أصحاب العربات التي تجرها الحيوانات يقدمون خدمة "المواصلات" بأسعار زهيدة.


واستخدمت هذه العربات في نقل جرحى وشهداء إلى المستشفيات في ظل الضغط الشديد على سيارات الإسعاف وصعوبة الوصول إلى مناطق الاستهداف.


نقل المياه


كما يواجه سكان غزة صعوبة كبيرة في نقل المياه من محطات التعبئة إلى المنازل، وباتوا يعتمدون في ذلك على نقلها باستخدام الدلاء والأوعية البلاستيكية والخزانات الصغيرة.


فيضطر الشخص الواحد إلى التوجه لمحطة التعبئة لعدة مرات للحصول على كمية من المياه تكفي للاستخدام اليومي؛ إن توفرت المياه.


في المقابل، فإن مركبات نقل المياه تعجز عن الوصول إلى منازل المواطنين بسبب نفاد كميات الوقود المتوفرة لديها.


محمد (رفض الكشف عن هويته بالكامل) من مدينة رفح، قال للأناضول: "نهاتف محطة تعبئة المياه، فتقول لنا وفروا وقودا أو غاز كي ننتقل إليكم المياه، ونرفعها إلى سطح منزلكم داخل الخزانات".


ويضيف: "هذا أمر في غاية الصعوبة الوقود والغاز غير متوفران نهائيا وإن حصل البعض عليه يكون بأسعار مرتفعة جدا، فنضطر إلى نقل المياه بشكل يدوي وهو أمر مرهق للغاية".


وفي بعض الأحيان، يتنقل مجموعة من الأفراد لبيع المياه (المالحة) عبر العربات التي تجرها حيوانات، لتسهيل وصولها إلى المواطنين، مقابل مبالغ زهيدة أيضا.


لكن هذه المياه، سببت وفق إفادات مواطنين وأطباء وجهات رسمية، أمراضا مثل النزلات المعوية، والمغص الحاد، والالتهابات في مجرى البول، وحالات الإسهال.


أوضاع كارثية


بدورها، حذرت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين من الأوضاع الكارثية في قطاع غزة وخطر المجاعة الذي يطل برأسه.


وقالت في بيان الأربعاء إن الأوضاع المعيشية الحالية "نتيجة استمرار حرب الإبادة الجماعية والقصف الوحشي والحصار وصلت إلى حافة الانهيار التام والتي تنذر بكارثة حقيقية، خاصة في شمال قطاع غزة ومدينة غزة".


وأوضحت أن هذه الأوضاع "تقرب القطاع إلى خطر المجاعة، وانتشار الأوبئة والأمراض، وإلى كارثة بيئية نتيجة آلاف الأطنان من المتفجرات والفوسفور الأبيض التي ألقيت على القطاع في ظل تواطؤ دولي وصمت عربي".


وأضافت: "آلاف المهجرين في مراكز الإيواء والبيوت أصبحوا غير قادرين على الحصول على مياه شرب صالحة؛ نتيجة شح المياه وتوقف محطات التحلية عن العمل نتيجة انقطاع الكهرباء".


والأحد، قالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر إن "الوضع الإنساني في قطاع غزة كارثي ويزداد الوضع سوءا كل لحظة".


وأضافت في بيان: "المدنيون في قطاع غزة يتحملون التكلفة الإنسانية الباهظة خاصة النساء والأطفال (..) طال التدمير البنى التحتية للمياه والمياه العادمة، حيث خرج معظمها عن الخدمة مما ينبئ بكارثة بيئية".


واعتبرت أن "الحصول على نقطة ماء نظيفة للشرب أو رغيف خبز في غزة رحلة محفوفة بالمخاطر وتستمر لساعات".


وأشارت إلى أن "نصف سكان قطاع غزة نزحوا للجنوب في ظل غياب المقومات الأساسية للحياة".


الأناضول