بضائع منتهية الصلاحية تغرق أسواق تعز.. والسلطات مهتمة بالضرائب


لم يعد الحديث عن السلع والبضائع منتهية الصلاحية يُثير دهشة أحد في مدينة تعز المحاصرة منذ سبع سنوات، في ظل إنهيار متسارع للوضع الاقتصادي وغلاء فاحش لمختلف السلع الأساسية، مما أجبر المواطن التعزي على ركن ثقافته الاستهلاكية جانبا والبحث عن السلع الأقل كلفة لتوفير احتياجات أسرته المعيشية.


في رحلة تجوالية في مولات ومحال بيع المواد الغذائية في مدينة "التربة" أكبر المدن بعد مدينة تعز، تمكنا من تسليط الضوء على أخطار صحية تأتي على شكل سلع مغرية، بينما الجهات الحكومية المعنية بحماية المستهلك مهتمة بجودة الضريبة.


عبد العالم الثور، أحد تجار المواد الغذائية في مدينة التربة، نفى وجود أي صنف أو سلع وبضائع منتهية الصلاحية في محله، فهو كما قال إنه يشتري بضاعته "من وكلاء لشركات تجارية مشهورة كمجموعة هائل سعيد أنعم التي تكون منتجاتها حديثة الصنع، ويقبل عليها المستهلكون بصورة كبيرة لا تسمح ببقائها حتى انتهاء فترة صلاحيتها".


يقول التاجر عبد العالم  إن البضائع المنتهية أو التي أوشكت على الإنتهاء أغلبها مستوردة اشتراها تجار بأسعار مرتفعة وطالت فترة بقائها في مخازنهم، وحين شارفت مدة صلاحيتها على الانتهاء حاولوا تصريفها بأسعار رخيصة.


يشير التاجر إلى أنه في وقت سابق صادرت السلطة المحلية بتعز شحنة من تونة "الياسري" منتهية الصلاحية كانت قادمة من عدن.


وذكر أن البضائع المهربة التي تدخل من المنافذ بدون رقابة الجهات المختصة أو دخلت عبر منظمات الإغاثة، وتباع لدى أصحاب "البسطات" وبأسعار مغرية حيث يستغل مروجوها الارتفاع الجنوني لأسعار المواد الغذائية وضآلة القدرة الشرائية لغالبية المستهلكين الذين تنعدم لديهم الثقافة الاستهلاكية أو القدرة الشرائية.


قهر الظروف


محمد سعيد، أحد المواطنين قابلناه في أحد شوارع مدينة التربة، كان محملاً ببعض المواد الغذائية لأسرته، فسألناه ما إذا كان تأكد من تاريخ صلاحية السلع التي اشتراها؟  فأجاب: "كنت في السابق لا ألتفت لتاريخ الانتهاء وأهتم فقط برخص قيمة السلعة، وذات مرة اشتريت جبنة مثلث وعندما وصلت البيت اكتشفت ابنتي وهي طالبة في مرحلة الثانوية أن الجبنة منتهية ولونها قد تغير ولها رائحة كريهة، ومنذ ذلك اليوم وأنا أدقق في تاريخ صلاحية أي سلعة أشتريها والفضل بعد الله لابنتي".


وبحسب محمد فإن الغالبية من الناس أجبرتهم الظروف والغلاء الجنوني لأسعار السلع للبحث عن السلع رخيصة الثمن دون اكتراث بتاريخ صلاحيتها.


جهود لا ترقى لحجم المشكلة


وحول معرفة دور السلطات في محاربة بيع السلع الغذائية منتهية الصلاحية وتلك التي لا تتوفر فيها مواصفات ومقاييس الجودة، قال مدير مكتب الصناعة والتجارة بمدينة التربة، سلطان علوان، إن المكتب لديه فريق ميداني يقوم بالتعاون مع الجهات الأمنية والسلطة المحلية بحملات دورية للأسواق ومحال بيع المواد الغذائية والمولات ومصادرة وتحريز كافة السلع المنتهية الصلاحية، أو التي شارفت صلاحيتها على الانتهاء، وتحرير محاضر رسمية بذلك وإرسال صاحب المحل إلى وكيل نيابة التربة لاستكمال الإجراءات القانونية


 يشير علوان إلى أن ظروف الحرب التي يعيشها اليمن وانهيار سعر العملة وانعدام القدرة الشرائية للمستهلك الذي يبحث عن السلعة الأرخص وتعوزه الثقافة الاستهلاكية كل تلك العوامل أوجدت سوقاً رائجة للبضائع ذات الأسعار المغرية والتي ظلت حبيسة في مخازن مستورديها في ظروف تخزين غير مناسبة، وحين أوشكت على الانتهاء قاموا ببيعها بسعر أقل يصل في بعض السلع إلى خصم 50 بالمئة من قيمتها الحقيقة، تجنبا للخسائر المالية.


وأضاف: "من الملاحظ خلال الأشهر الأخيرة إغراق السوق بهذه البضائع، لتصبح مشكلة تهدد حياة المستهلكين الذين لا يدركون أنهم ببحثهم عن ضآلة السعر يشترون سموما وأمراضا لأسرهم".


الأطفال وطلاب المدارس أكثر الضحايا


ليست البضائع منتهية الصلاحية وحدها هي التي تشكل خطراً صحيا على مستهلك رمت به الأوضاع الاقتصادية المتدهورة إلى شراك تجار جشعين استغلوا ضعف الرقابة الحكومية لتحقيق مكاسب على حساب صحة البسطاء، فالكثير من حلويات الأطفال التي تباع في الأسواق ومقاصف ودكاكين المدارس وهي عبارة عن مساحيق ذات ألوان مختلفة غالبيتها محلية الصنع مثل: مشروب سماء، ومشروب بريكس، وبينجور،  ليس لها أي قيمة غذائية وتمثل خطراً على صحة الأطفال، خصوصا طلاب المدارس، وقد أصدرت الهيئة العامة للمواصفات والمقاييس تحذيرات من الأخطار الصحية لتلك المساحيق، وطالبت بمنع بيعها.

حلويات على شكل سجائر


فوجئ عبد السلام محمد ذات يوم بعودة ولده (10 أعوام) من المدرسة يصطحب ما بدا له أنها علبة سجائر فأخذها وتفحصها ليجدها حلوى صممت على شكل سجائر، وضعت في علبة تحمل اسما لأحد أصناف السجائر ولا يساور من يشاهدها للوهلة الأولى أي شك من أنها علبة سجائر.


و تساءل عبد السلام بدهشة كيف يسمح لهذه الأصناف التي تنمي سلوك الانحراف لدى الأطفال وتصور لهم التدخين كما لو أنه سلوكاً محببا وحميداً، محملاً مدراء المدارس ووزارة التربية مسؤولية تسميم عقول الطلاب ودفعهم للانحراف.


حوانيت صناعة المشروبات والآيسكريم


هذا السائل الذي في "القنينة" البلاستيكية ذي اللون البني يباع على أنه مشروب "شعير" وهو بالإضافة لمشروبي الزبيب والتوت ويتعاطها عادة "ماضغو نبتة القات" في جلسات تعاطي النبتة، بالإضافة إلى عدة أصناف من الآيسكريم يتم تحضيرها في "حوانيت" مغلقة بعيداً عن أعين الرقابة يطلق عليها مجازاً معامل كنوع من التسويق التجاري، وهي في حقيقة الأمر "حوانيت" تفتقر لأبسط شروط النظافة ويتم فيها تحضير تلك المشروبات يدوياً وفي أوانٍ مكشوفة ومياه غير صحية.


سرطان الحوت "التنبل"


شمة الحوت "فلترد خيني" وهي شمة هندية (تنبل) دخلت كأغلب البضائع غير مطابقة للمواصفات والمقاييس دخلت عن طريق التهريب ولها آثار صحية خطرة وتصنف شمة الحوت وفقاً لبرشور الهيئة العامة للمواصفات والمقاييس كأحد السلع المضرة بالصحة فهي فضلا عن كونها تؤدي للإدمان تسبب أيضا سرطان الفم واللثة.


المراهنة على وعي غائب


 

من جهته  اكد الدكتور رمزي العبسي مدير فرع الهيئة العامة للمواصفات والمقاييس في محاربة الغش الصناعي والتجاري،  أن دور الهيئة رقابي وتوعوي ويعتمد على بلاغات المستهلكين ويقومون بإحالة كافة المنتجات غير المطابقة للمواصفات ومعامل التصنيع إلى صحة البيئة، إلا أن الدور الحكومي -حد قوله- ما زال يتسم بالمزاجية والعشوائية.


وأشار مدير فرع الهيئة العامة للمواصفات والمقاييس في محاربة الغش الصناعي والتجاري إلى أن الهيئة أعدت دراسة للبضائع غير المطابقة للمواصفات ستنفذها الأسبوع المقبل.


سيظل المستهلك عالقاً بين كماشة الغلاء الجنوني للسلع وظروف معيشية غاية في الصعوبة وصيدا سهلا لجشع تجار بلا ضمير، وسيبقى الحديث عن الثقافة الاستهلاكية وأضرار السلع رخيصة الثمن أشبه بالغناء جنب أصنج، كما يقول المثل الشعبي الدارج.


نقلا عن الموقع بوست