منظمة حقوقية: انقلاب جماعة الحوثي على مؤسسات الدولة أنهى حلم اليمنيين بدولة ديمقراطية

قالت منظمة سام للحقوق والحريات إن انقلاب جماعة الحوثي على مؤسسات ومكونات الدولة في 21 من سبتمبر 2014 فتح باب الشرور على مصراعيه وأغرق البلاد في حالة من الفوضى وانعدام الأمن والتنكر للحقوق وانتهاك حقوق الأفراد بشكل خطير وغير مسبوق في التاريخ الحديث. إن الانقلاب على إرادة الشعب ومؤسسات الدولة هو الجريمة الكبرى التي تتحمل جماعة الحوثي مسؤوليتها التاريخية والقانونية إلى جانب الكثير من الانتهاكات والممارسات التي نتجت عنها، والتي أدت بعد 8 سنوات إلى تبديد حلم اليمنيين بدولة ديمقراطية تحمي لهم حقوقهم وتحفظ كرامتهم وتلبي تطلعاتهم.


وقالت المنظمة في بيان صدر عنها اليوم الأربعاء، بالتزامن مع دخول اليمن عامه الثامن للصراع الممتد والذي بدأ بانقلاب جماعة الحوثي على الحكومة اليمنية بتاريخ 21 سبتمبر/أيلول، والذي بسببه أصبحت الدولة تعاني من أسوأ أزمة إنسانية على مستوى العالم، وباتت أراضيها تتنازعها الأطراف المحلية والإقليمية. إن استيلاء جماعة الحوثي على مؤسسات الدولة وشهوتهم للتفرد بالسلطة باعتبارها حق إلهي حسب زعمهم، وانتقام صالح من شعبه بعد إجباره على التخلي عن السلطة، وتخبط التحالف العربي وارتباكه بين السعي لتحقيق مصالحه وتحقيق الأهداف التي تدخّل من أجلها، والعجز الفاضح للحكومة اليمنية، وتنمر العديد من المليشيات المسلحة، قد ساق اليمن الى طريق مأساة حقيقة تهدد بتفككه.


وذكرت "سام" في بيانها إلى أنها بذلت الكثير من الجهود وحصرت خلال السنوات السبع الماضية الآلاف من الانتهاكات التي وقعت نتيجة لانقلاب جماعة الحوثي وتقسيم المناطق اليمنية والتدخل العسكري من قبل التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات، حيث أدت تلك الأحداث إلى سقوط أكثر من (7000) قتيلًا مدنيا، وأكثر من (6188) جريحاً، ووثقت أكثر من (1600) ضحية بسبب الألغام، ورصدت أكثر من (332) غارة جوية لطيران دول التحالف العربي، وسجلت اعتقال واختفاء أكثر من (10251) وأكثر من (547) ضحية تعذيب. كما وثقت أكثر من (5461) انتهاكاً بحق الطفولة، وأكثر من (1352) انتهاكًا ضد النساء، وما يزيد عن (1200) انتهاكًا واعتداءً بحق الحريات الصحفية والحقوقية.


وأكدت سام لقد  قُتِل وجُرِح آلاف المدنيين أو أصيبوا بالأذى بسبب القذائف والصواريخ الحوثية، إضافة للقصف العشوائي، والاستخدام العشوائي للألغام الأرضية، حيث بلغ عدد الألغام التي زرعتها مليشيا الحوثي أكثر من 2 مليون لغم تم تفجير 700 ألف منها بدون خرائط، الأمر الذي أدى ذلك إلى تمزّق النسيج المجتمعي، مع تقييد حرية التعبير والاحتجاج السلمي وحرية التنقل بشكل متزايد، واستغلال الانقسامات السياسية وغيرها من الانقسامات القائمة على الهوية من قبل من هم في السلطة، حتى وصل الأمر بتلك الجماعة إلى نهب ومصادرة أكثر من 3000 منزل وشركة تحت مسمي الحارس القضائي في العاصمة صنعاء وتفجير منازل ومؤسسات خصومها السياسيين حيث وثقت منظمة "سام" قيام مليشيا الحوثي بتفجير أكثر من 950 منزلا ومؤسسة لأشخاص دون أي مبرر إلا أنهم على خلاف سياسي وعقائدي مع تلك الجماعة.


وأبرزت المنظمة إلى تصّدر جماعة الحوثي قائمة مرتكبي الانتهاكات في البلاد، إذ تستهدف مليشيات الحوثي المدنيين في كثير من المحافظات وفرضت حصاراً مخالفًا للقانون على العديد من المدن والمحافظات اليمنية حتى اليوم، كما يوجد في سجونها حتى اليوم ما لا يقل عن سبعة آلاف معتقل ومخفي قسراً، يعانون ظروفاً صعبة في المعتقلات جراء التعذيب.


كما يعيش ملايين المواطنين بشكل عام، وفي المحافظات التي تسيطر عليها جماعة الحوثي –بشكل خاص- في أزمة غذاء وماء ورعاية صحية، حيث تُعرقل مليشيات الحوثي تدفق السلع المنقذة للحياة إلى داخل البلاد وحولها، وتهاجم البنية التحتية الحيوية، وتعيد توجيه السلع وعائداتها إلى خزائنها وأنصارها.


وأشارت المنظمة إلى تكثيف جماعة الحوثي من استخدامها لمحكمة مكافحة الإرهاب كوسيلة لتسوية الحسابات السياسية، والتي كثيرًا ما استخدمتها لإصدار أحكام الإعدام على تهم ليس لها أصل كاتهامهم بالتجسس و"مساعدة دولة معادية" عبر محاكمات غير قانونية، حيث أصدرت المحاكم التابعة لجماعة الحوثي أكثر من 300 حكم إعدام ضد خصوم سياسيين إضافة لأحكام مصادرة الأموال والممتلكات.


ولفتت "سام" إلى أنه ومنذ اندلاع النزاع الحالي في مارس/آذار 2015، اختفى واحتُجز عشرات الأشخاص – من بينهم الصحفيون والأكاديميون وأعضاء الديانة البهائية – بسبب نشاطهم في مجال حقوق الإنسان أو انتمائهم السياسي ومعتقداتهم النابعة من ضميرهم بصورة أساسية. حيث امتدت انتهاكات الحوثي لتطال مئات الصحفيين والنشطاء حيث وثقت "سام" ارتكاب المليشيات أكثر من 1000 انتهاك خلال خمس سنوات بما فيها قتل أكثر من 30 صحفيا، واختطافها عشرات الصحفيين والحكم عليهم بالإعدام من بينهم 4 صحفيون تهدد المليشيا بإعدامهم حسب تصريحات نشرتها خلال شهر مارس/آذار من عام 2021.


تُظهر المعلومات التي وثقتها المنظمة، حجم المعاناة التي تكابدها الفئات الخاصة كالنساء والأطفال حيث تعاني آلاف النساء اليمنيات بسبب التضييق الذي تفرضه بعض الجماعات المسلحة لا سيما جماعة الحوثي، وفي مقدمتها حرمانهن من الحق في الحياة والعيش الكريم ومضاعفة أعبائهن الأسرية. كما أثبتت تلك المعلومات بما لا يدع مجالًا للشك بأن مليشيات الحوثي قد ارتكبت انتهاكات ممنهجة بحق النساء من بينها الاعتقال القسري لأكثر من 3600 امرأة والتعذيب الذي يطال نحو 200 من النساء الموزعين على معتقلات الحوثي. كما وثقت "سام" قيام جماعة الحوثي بتجنيد إجباري لأكثر من 10 آلاف مقاتل من الأطفال دون أي اعتبار للحماية القانونية وللاتفاقيات الدولية ذات الصلة التي توفر للأطفال الحماية والرعاية الكاملة.


أما فيما يتعلق بالانتهاكات التي تمارسها أطراف الصراع لا سيما مليشيا الحوثي بحق الأشخاص المعتقلين، فلقد رصدت المنظمة وبحسب شهادات تحصلت عليها من معتقلين سابقين، تنوّع تلك الممارسات بين الضرب بالأدوات الحادة وأعقاب الأسلحة واستخدام الكهرباء، وحرمانهم من الراحة لساعات طويلة ، وتعمد جعل التحقيق في ساعات الليل المتأخرة ، إضافة لافتقار تلك المراكز والسجون من الاحتياجات الأساسية كالأغطية والملابس والطعام والماء والكهرباء، بل ووصل الأمر إلى نزع اعترافات غير مطابقة للواقع من مئات الأشخاص ومن كان يرفض الإدلاء بتلك الاعترافات يتم تعذيبه حتى يفارق الحياة.


كما رصدت "سام" أيضًا تصاعد خطاب الكراهية الذي تستخدمه جماعة الحوثي  طوال السنوات الماضية حيث تعتمد على خطاب ديني يحمل معاني القتل والاعتداء في عملياتها وهجومها العسكري على العديد من الأحياء المدنية، والتي تظهر جليًا أثناء استعداد قوات الحوثي للهجوم على المدن والقرى، حيث وثقت المنظمة في أكثر من مناسبة تصاعدا للهجة التهديد  والتوعد بالقتل الذي يعكس العقلية الإجرامية لتلك الجماعة باستخدام القوة المفرطة وأعمال العنف غير المبررة تجاه المدنيين في عملياتها العسكرية مستغلة الخطاب الديني والتحريضي على المدنيين.


ونبّهت المنظمة إلى أن انقلاب جماعة الحوثي على الحكومة اليمنية ودخول الصراع عامه الثامن على التوالي، كان له التأثير الأخطر على تدني الوضع الاقتصادي بسبب عدة عوامل أهمها: نهب "جماعة الحوثي" الاحتياطي النقدي لليمن من العملة الصعبة والذي كان يساوي خمسة مليار دولار، إضافة لاستيلائها على إيرادات مؤسسات الدولة وتعطيل عمل البنوك والاتجاه للسوق السوداء والصرافين التابعين لهم ليتمكنوا من تنفيذ عمليات غسيل الأموال ونقلها دون قيود. إضافة لاستمرار الحوثي- طوال سنوات الحرب - تحصيل إيرادات الدولة المتمثلة في الضرائب والجمارك والرسوم والتي تصل إلى أكثر من 34% من إجمالي حجم الإيرادات حسب أرقام الموازنة العامة للدولة للعام 2014، بمبالغ تتجاوز 4 مليار دولار، إضافة لتخلي "جماعة الحوثي" عن مسئولياتها بدفع رواتب الموظفين الموجودين في مناطق سيطرتها ولا بتقديم أي خدمات لهم.


تشدد المنظمة على أن التبعات المترتبة على استمرار الصراع في اليمن ودخوله عامه الثامن لا يمكن حصره أو إجماله في تقارير أو بيانات حقوقية لفظاعتها وعددها الهائل، الأمر الذي يؤكد بأن اليمن تسير نحو طريق مجهول ومخيف على كافة الأصعدة في ظل استمرار غياب دور المجتمع الدولي وفي مقدمته هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن والآليات المتخصصة التي ظلت تمارس طوال تلك السنوات السابقة دورًا سلبيًا لم يرقَ لحجم ومستوى الجرائم والفظائع التي ارتكبتها كافة الأطراف المتدخلة في الصراع اليمني والتي تم توثيقها وإحاطة كافة الجهات الدولية بها.


ونوّهت "سام" إلى أن انقلاب جماعة الحوثي على مؤسسات الدولة وتدخل الأطراف الإقليمية أسس للانهيار الشامل في ملف حقوق الإنسان في اليمن لا سيما الحقوق الأساسية والاقتصادية والاجتماعية، كما أدى إلى قتل حلم اليمنيين في دولة مدنية تحترم الحقوق والحريات وتقود اليمنيين نحو الرخاء.


واختتمت المنظمة بيانها بالتأكيد على أن كافة أطراف الصراع - لا سيما جماعة الحوثي - تتحمل مسؤولية الجرائم والانتهاكات الفظيعة التي تم ارتكابها بحق المدنيين، مشيرة إلى أن الأجهزة القضائية الدولية مطالبة بسرعة التحرك وتقديم مرتكبي تلك الجرائم والمسؤولين عنها نظير جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبوها.


كما تؤكد المنظمة على أن الطريق الوحيد لإنهاء الصراع الحالي في اليمن يبدأ بتحقيق العدالة للمواطنين اليمنيين من خلال عقد مؤتمر وطني شامل برعاية أممية ودولية يشمل جميع أطياف ومكونات الشعب اليمني، من أجل إنهاء دور المليشيات المسلحة خارج إطار القانون والاتفاق على تأسيس نظام ديمقراطي شامل يرتضيه اليمنيون كأساس للحكم والعمل على إنهاء كافة أشكال النزاع والصراع والاتفاق على دستور جديد يكون الضامن لكافة الحقوق اليمنية.