هلع في أوساط اليمنيين جراء انهيار الريال واشتعال الأسعار
انجرفت العملة اليمنية نحو قاع جديد من الهاوية، التي سقطت فيها منذ اندلاع الحرب قبل أكثر من خمس سنوات، مسجلا تراجعا تاريخياً أمام الدولار في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية، الأمر الذي انعكس سريعاً على الأسواق التي قفزت أسعار مختلف السلع فيها، بينما يعاني أكثر من 70% من السكان من الفقر.
وأعلن تجار في العاصمة المؤقتة عدن جنوبي البلاد، وتعز (جنوب غرب)، عن الدخول في إضراب شامل اعتبارًا من الإثنين الماضي، احتجاجا على التهاوي المتسارع للريال، حيث تجاوز سعر الدولار 802 ريال خلال تعاملات، أمس، لتبلغ خسائره نحو 34% من قيمته منذ مطلع العام الجاري، فيما يتوقع محللون أن يواصل الانهيار ليبلغ 1000 ريال للدولار الواحد خلال سبتمبر/أيلول.
وتسبب التهاوي الجديد للعملة في حالة من الهلع بالأسواق ولدى المواطنين، مع مخاوف من خروج الوضع عن السيطرة، نتيجة الشلل في مؤسسات الحكومة، على خلفية الصراع مع المجلس الانتقالي الجنوبي الداعي للانفصال والمدعوم من دولة الإمارات، بينما تسجل العاصمة صنعاء ومناطق نفوذ الحوثيين استقراراً في سعر الدولار الذي بلغ 602 ريال في فجوة كبيرة مع السعر المتداول في مناطق الحكومة.
وتجاوبت الأسواق سريعاً مع انهيار الريال بما فيها العاصمة صنعاء ومناطق سيطرة الحوثيين، لتشهد ارتفاعات تدريجية في أسعار معظم السلع الغذائية والاستهلاكية في البلد الذي يعتمد في تدبير معظم احتياجاته على الاستيراد.
ورجح خبراء ومتعاملون مصرفيون استمرار انهيار الريال بشكل متسارع خلال الأيام القادمة، الأمر الذي قد يعجل بوقوع مجاعة شاملة تعم جميع المناطق اليمنية.
وقال الخبير المصرفي، نشوان سلام، إن البنك المركزي اليمني في عدن لم يعد بمقدوره ضبط السوق المصرفية وإدارة السياسة النقدية، بعد أن فقد ما كان متوفراً من إيرادات محلية من ضرائب وجمارك، والتي استولى عليها حلفاء الإمارات في عدن، ممثلين في المجلس الانتقالي الجنوبي وإعلانهم الإدارة الذاتية، التي تضمنت أهم بنودها وضع يدهم على الإيرادات العامة في حسابات جديدة خاصة في البنك الأهلي الحكومي في عدن.
وأضاف سلام في تصريح لـ"العربي الجديد" أن هناك عمليات نهب للأموال الحكومية، بهدف تجفيف الخزينة العامة للبنك المركزي، وإضعاف دوره في ظل ما يعانيه من فقدان للاحتياطي من الدولار.
ويأتي انهيار العملة وسط تحذيرات من أزمة معيشية واسعة تجتاح معظم فئات اليمن، مع تفاقم الجوع الذي يضرب ثلثي السكان، الذين أصبحوا عاجزين عن توفير احتياجاتهم المعيشية نتيجة فقدانهم معظم مصادر دخلهم.
وعبر مواطنون في عدن، عن سخطهم من تردي الخدمات وارتفاع أسعار السلع الغذائية والاستهلاكية، منذ بسط المجلس الانتقالي سيطرته على المدينة وإعلانه الإدارة الذاتية على المحافظات الجنوبية.
وقال المواطن، أيمن الرباصي، من سكان حي التواهي غرب عدن، إن أسعار مختلف السلع تشهد ارتفاعا سريعا كلما زاد سعر الدولار أمام الريال، مضيفا لـ"العربي الجديد"، أن الارتفاع تركز كثيراً في المواد الغذائية مثل الأرز بدرجة رئيسية والقمح والدقيق، إضافة إلى الخضروات التي زادت بنسبة 200% منذ الأسبوع الماضي. وبالتوازي مع ارتفاع الأسعار تشهد الأسواق اختفاءً لسلع ضرورية وظهور بعضها بأسعار مضاعفة تفوق قدرات اليمنيين.
وقال حمود الحبيشي، وهو متعهد تجاري في أسواق صنعاء لـ"العربي الجديد"، إن مشكلة الأسعار لا تتوقف عند حدود انهيار العملة وتوسع فارق صرفها في مناطق سيطرة الحكومة، بل هناك أيضا مشاكل وصعوبات متعلقة بزيادة تكاليف النقل كلما انخفضت قيمة العملة المحلية، وذلك منذ تحويل خطوط الشحن التجاري من ميناء الحديدة إلى ميناء عدن قبل نحو عامين.
وأشار الحبيشي إلى وجود عراقيل عدة في عملية استيراد السلع الغذائية، لصعوبة توفير الدولار، والتعقيدات المفروضة في عملية نقل الأموال ليس على المستوى المحلي بين المناطق اليمنية، بل على المستوى الدولي في فتح الاعتمادات المستندية اللازمة للاستيراد، لافتا إلى أن هذه المشاكل تؤدي إلى تزايد تكاليف استيراد السلع ونقلها وإيصالها إلى مخازن التجار وإلى الأسواق المحلية.
وفي هذه الأثناء، اتسع نطاق السوق السوداء للعملة لا سيما في المناطق الجنوبية، وبرزت طبقة ثرية تتمدد بصورة علنية، في ظل انحسار الدور الحكومي وتقويض مؤسسات الدولة ورفع يدها عن مختلف الموارد العامة السيادية، حيث قفز عدد محال وشركات الصرافة غير المرخصة في الفترة الأخيرة.
وتقدر تقارير ودراسات اقتصادية يمنية نسبة الاقتصاد الخفي في اليمن بنحو 90% من الناتج المحلي الإجمالي، وتستند هذه التقديرات إلى تدني نسبة تحصيل الموارد العامة، وبسط السلطات الموازية سيطرتها ونفوذها على مختلف الموارد العامة كالضرائب والجمارك، مع توقف تصدير أهم مرتكزات الاقتصاد اليمني مثل المشتقات النفطية.
وحسب تقديرات رسمية، فقد خسر اليمن ما يقارب 15 مليار دولار جراء توقف تصدير الغاز المسال فقط خلال السنوات الخمس الماضية. وتخضع الموانئ اليمنية جميعها دون استثناء لسيطرة دولتي التحالف السعودية والإمارات، ما يحرم الحكومة الشرعية من إيرادات قطاعات حيوية.
وقال الخبير في معهد الدراسات والأبحاث المصرفية اليمني، فهد درهم، إن سعر الصرف تتحكم به شركات ومحال الصرافة، بينما عجز البنك المركزي في عدن عن القيام بأي دور، لأنه سيصطدم بالفئة التي تدير السوق المصرفية، وأصبح الدولار بيدها، وسعر صرف الريال هي من تحدده.
ومنذ بداية الحرب الدائرة في اليمن، تم إفراغ البنك المركزي من احتياطي النقد الأجنبي المقدر بنحو 5 مليارات دولار، وأكثر من تريليون ونصف من العملة الوطنية. وخسرت العملة اليمنية نحو 274% من قيمتها منذ بداية الحرب في البلاد، حيث سجلت 215 ريالا للدولار مطلع عام 2015.
ولا يستغرب رئيس قسم العلوم المالية والمصرفية في جامعة ذمار اليمنية، محمد الرفيق، من التهاوي الذي يصفه بالمتعمد للعملة اليمنية، مشيرا في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى تداعيات هذا الانهيار على القوة الشرائية وارتفاع الأسعار للسلع وزيادة معدلات البطالة.
وأضاف أن تداعيات فيروس كورونا الجديد وتراجع تحويلات المغتربين، سيكون لها تبعات كارثية على سعر العملة الوطنية، وسيزيد الضغط أكثر على أسعار السلع الغذائية والاستهلاكية، وجعل ملايين اليمنيين يواجهون صعوبة بالغة في تلبية احتياجاتهم الأساسية من المواد الغذائية وغير الغذائية.
وتشكل تحويلات المغتربين، نسبة مهمة من موارد اليمن من النقد الأجنبي، بينما تضررت التحويلات بالركود الاقتصادي الذي ضرب دول الخليج بسبب جائحة كورونا، ولا سيما السعودية التي يعمل بها أغلب المغتربين اليمنيين، حيث يتوقع محللون تراجع التحويلات بنحو 70% خلال العام الجاري، ما سيؤدي إلى حرمان اليمن من أهم مورد من موارد العملات الصعبة.
وحذر خبراء من ترك اليمن يصارع منفرداً مشاكله المالية والاقتصادية، مع تفاقم كبير للوضع المعيشي بعد خمس سنوات حرب وصراع وأزمات متفاقمة. ومن المتوقع أن تنخفض مدفوعات رواتب القطاع العام بسبب محدودية الإيرادات الحكومية.
ورجح الباحث الاقتصادي، مراد منصور، أن يعاني اليمن من انخفاض التحويلات، التي أضحت ملايين الأسر تعتمد عليها.
وفي الوقت نفسه، من المتوقع أن تنخفض مدفوعات رواتب القطاع العام بسبب محدودية الإيرادات الحكومية مع معاناة اليمنيين وعدم قدرتهم على توسيع كسب الدخل.
وحذر برنامج الأغذية العالمي، مطلع أغسطس/آب، من أن يؤدي النقص المتوقع في العملات الأجنبية في اليمن إلى مزيد من انخفاض قيمة الريال، وانعكاسات ذلك في تعطل واردات الأغذية ومدفوعات الرواتب، والضغط التصاعدي على أسعار الغذاء والوقود.
المصدر: العربي الجديد