منظمة حقوقية: انقلاب الحوثي قسم اليمن وجعلها ساحة خلفية للتدخلات الإقليمية والدولية
قالت منظمة سام للحقوق والحريات في تقرير لها، إن اليمن شهد تحولاً جذريًا عندما نفذ الحوثيون انقلاباً على السلطة في سبتمبر 2014 ، مما أدى إلى سلسلة من الأحداث السياسية التي أضعفت الدولة بشكل كبير، وجعلت اليمن ساحة خلفية للتدخلات الإقليمية والدولية، مما زاد من تعقيد الجهود الرامية إلى تحقيق الاستقرار والسلام في المنطقة.
وأوضح التقرير الذي يحمل العنوان: (عقد من الانهيار) أن انقلاب الحوثي حول اليمن إلى ملعب خلفي للدول الاقليمية والدولية، بما في ذلك إيران التي دعمت الحوثيين، مما أثر بشكل عميق على مسار الحرب والأوضاع الإنسانية والسياسية في البلاد، وزاد من تعقيد الصراع وجعل الحلول السلمية أكثر صعوبة، لتؤدي هذه العوامل مجتمعة أدت إلى تقسيم اليمن إلى مناطق نفوذ منفصلة، وظهور تحديات كبيرة أمام استعادة الدولة لوحدتها وسيادتها.
وأورد التقرير الصادر عن سام أن هذه الأوضاع التي أفرزها الانقلاب تسببت في توقف عجلة التنمية تمامًا، حيث توقفت رواتب الموظفين وارتفعت الأسعار بشكل كبير، مما زاد من معاناة الشعب اليمني، كما أدى النزاع إلى نزوح أكثر من مليوني مدني بشكل قسري.
وأشار التقرير إلى أن الانقلاب الحوثي تسبب في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، حيث أصبح أكثر من نصف سكان البلاد بحاجة ماسة إلى مساعدات إنسانية، وقرابة 17.8 مليون شخص بحاجة إلى مساعدات صحية، نصفهم أطفال، كما أدى الحصار والمعارك الدائرة إلى نزوح واسع للسكان، مما زاد من تعقيد الوضع.
وأورد أن الصراع أدى إلى انهيار الاقتصاد المحلي، حيث انكمش النشاط الاقتصادي بحوالي 50% من الناتج المحلي، وبلغت الخسارة الاقتصادية بين 170 و200 مليار دولار، مبينًا أن الحرب تسببت في تعطيل التجارة وتدمير المنشآت الحيوية، مثل الموانئ والمطارات، مما جعل من الصعب على اليمنيين تأمين احتياجاتهم الأساسية، كما أدى التضخم وانهيار العملة إلى تفاقم الفقر والبطالة.
وأبرز التقرير سياسة الإفقار الممنهج والإنهاك الاقتصادي التي انتهجها الحوثيون طوال عشر سنوات من الانقلاب، إذ فرضوا جبايات ورسوم باهظة على التجار والمواطنين، بما فيها: إتاوات المولد النبوي، ورفع الضرائب بنسبة تقدر بـ500%، على قطاعات العقارات والزراعة والبضائع المحلية والمستوردة، لتبلغ إيرادات خزانة الحوثي خلال 2022 - 2023 فقط، من قطاعات الضرائب والجمارك والزكاة والأوقاف والنفط والغاز، ما يقارب 8.7 مليار دولار.
ونوه التقرير بأن النظام القضائي تعرض للاهتزاز، حيث عملت جماعة الحوثي على تسييسه واستخدمته كوسيلة للانتقام من الخصوم السياسيين، مما أدى إلى خلق بيئة من الخوف والتهديد، وتتجلى مظاهر هذا التسييس في إصدار المحاكم الخاضعة لسلطة الجماعة أكثر من 550 حكمًا بالإعدام ضد المعارضين، استنادًا إلى تهم ملفقة.
ولفت التقرير إلى أنه ومنذ انقلاب الحوثيين على الدولة الشرعية في اليمن، شهدت البلاد تراجعًا ملحوظًا في الحريات السياسية والمدنية، وتدهورت أوضاع حقوق الإنسان بشكل كبير، حيث عطلت الجماعة النشاطات السياسية وحظرت الأحزاب السياسية والنقابات، وفرضت قيودا على حرية التجمع، ومنعت التظاهرات والاحتجاجات.
وأضاف: تم فرض قيود صارمة على وسائل الإعلام، حيث تم ارتكاب ما يقارب ألف انتهاك موثق بحق الحريات للإعلامية، بالإضافة إلى توقف قرابة 163 صحيفة ومجلة وإذاعة، وحجب أكثر من 200 موقع إخباري محلي وخارجي عن المتابعين في اليمن، واعتقال عشرات الصحفيين الذين حاولوا تغطية الوضع، فضلًا عن تعرض الناشطين الحقوقيين للتهديدات والمضايقات.
وبين التقرير أن جماعة الحوثي اعتقلت تعسفًا أكثر من 18 ألف مدنياً وأخفت العديد من الضحايا في سجون غير رسمية لا تخضع لإشراف القضاء، والتي يواجه فيها المعتقلون ظروفًا قاسية، بما فيها التعذيب المفضي إلى الموت، موضحة أن أكثر من 17 ألف حالة تعذيب بحق المعتقلين في سجون الحوثي تم رصدها وتوثيقها بواسطة المنظمات الحقوقية.
وأورد تقرير (عقد من الانهيار) أن العديد من المناطق شهدت قصفًا عشوائيًا على الأحياء السكنية، بمختلف الأسلحة، بما فيها: القذائف العشوائية، والطيران المسير، والصواريخ، والقناصة والألغام، مما أدى إلى مقتل أكثر من 15 ألف مدنيًا، وإصابة أكثر من 34 ألف آخرين، منذ انقلاب الحوثيين في سبتمبر 2014.
وأشار التقرير إلى جماعة الحوثي ارتكبت أكثر من 21500 حالة انتهاك ضد المرأة خلال الفترة سبتمبر 2015، وحتى أكتوبر 2022، بما فيها الاعتقال والاحتجاز التعسفي والنهب والاعتداء الجنسي والضرب والتعذيب، ناهيك عن فرض قيود تمييزية استهدفت النساء، بما فيها: تقييد حرية التنقل، وفرض نمط معين من اللباس، ومنع العمل في المطاعم، واشتراط الحصول على إذن المحرم للسماح بالسفر، واستبعادهن من المشاركة في الحياة العامة ومنعهن من ممارسة حقوقهن.
كما مارست جماعة الحوثي انتهاكات جسيمة بحق المدنيين في اليمن، حيث زرعت أكثر من مليونين و300 ألف لغم في مختلف المناطق، مما أدى إلى مقتل 2632 شخصًا، بينهم 477 طفلًا و168 امرأة، وإصابة 3386 آخرين، بينهم 730 طفلًا و219 امرأة، خلال الفترة من 2014 إلى 2022. كما تسببت الألغام في تضرر 4743 منشأة خاصة و456 منشأة عامة.
بالإضافة إلى ذلك، قامت الجماعة بتفجير 713 منزلًا بشكل كلي حتى ديسمبر 2023، وجندت نحو 30 ألف طفل منذ عام 2014، مما يعكس حجم المعاناة التي يعيشها المدنيون جراء هذه الانتهاكات.
وجادل التقرير بأن إحلال السلام في اليمن يتطلب التزامًا جادًا من جميع الأطراف، وإرادة سياسية قوية تجترح حلولًا شاملة تتجاوز الحلول العسكرية، وتشمل الأبعاد الإنسانية والسياسية والاقتصادية، وفي مقدمتها المفاوضات السياسية الشاملة، على أن يرافقها قرارات ملزمة من مجلس الأمن تفرض وقفًا دائمًا لإطلاق النار.
وطالب التقرير بتكثيف المساعدات الإنسانية والعمل على إعادة بناء البنية التحتية الأساسية، مثل المستشفيات والمدارس وشبكات المياه والكهرباء، وتوفير الدعم للمنظمات الإنسانية لتلبية الاحتياجات الملحة للسكان، مع التركيز على حماية المدنيين، وخاصة النساء والأطفال، من الانتهاكات.
واقترح التقرير إنشاء خطة شاملة لإعادة الإعمار، تشمل دعم القطاع الخاص واستعادة الخدمات الأساسية وتعزيز الحكم الرشيد، على أن تضطلع الدول المانحة والمنظمات بدور رئيسي في تقديم المساعدات المالية والتقنية، ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة لتحريك عجلة الاقتصاد، كما ينبغي على هذه الدول تقديم الدعم السياسي والاقتصادي لليمن، وأن تساهم في توفير منصة للحوار بين الأطراف اليمنية، بالإضافة إلى العمل على منع التدخلات التي تؤجج الصراع.
وشدد التقرير الصادر عن منظمة سام على أن ضمان حقوق الإنسان يجب أن يكون جزءًا أساسيًا من أي اتفاق سلام، مع ضرورة إنشاء آليات لمحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات وإخضاعهم لمحاكمة عادلة وشفافة، وتفعيل دور المجتمع المدني في مراقبة تنفيذ الاتفاقيات.
ودعا التقرير إلى دعم برامج المصالحة الوطنية التي تهدف إلى معالجة الجروح الاجتماعية والنفسية الناتجة عن الصراع، على أن تشمل هذه البرامج مبادرات للتسامح والتعايش، إلى جانب تعزيز العدالة الانتقالية لضمان محاسبة المسؤولين عن الجرائم وتعويض الضحايا.
وشدد التقرير على ضرورة أن تستند كل هذه الجهود إلى إطار زمني واضح والتزام دولي لضمان تنفيذها بفعالية، منوهًا بأن تحقيق السلام في اليمن ليس مهمة سهلة، لكنه ضروري لبناء مستقبل آمن ومستقر للبلاد وشعبها.