منظمات حقوقية ومدنية تطالب بإدراج ملف المخفيين ضمن أولويات مباحثات السلام في اليمن

ناشدت عشرات المنظمات الحقوقية والمدنية، الرعاة الدوليين لمحادثات السلام في اليمن، بإدراج ملف المختفين قسرا ضمن أولويات مباحثات إنهاء الأزمة، وتشكيل لجنة تحقيق دولية (مؤقتة) لصون حقوق الضحايا وحفظ الأدلة.


جاء ذلك في بيان مشترك نشره تحالف ميثاق العدالة لليمن، صادر عن 60 منظمة حقوقية ومدنية بمناسبة اليوم العالمي لضحايا الاختفاء القسري الذي يصادف الـ 30 أغسطس من كل عام.


وقالت المنظمات في بيانها "في اليوم العالمي لضحايا الاختفاء القسري، نوجه نداءً للرعاة الدوليين لمحادثات السلام في اليمن، من أجل إدراج ملف المختفين قسرا ضمن أولويات مباحثات إنهاء الأزمة، وأن تتضمن أي عملية انتقالية تشكيل لجنة وطنية للبحث عنهم ومعالجة أوضاعهم وأوضاع عائلاتهم".


وأضافت "وإلى أن نصل لذلك، يتعين على مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، تشكيل لجنة دولية للتحقيق، لضمان عدم ضياع الأدلة وحفظ القضايا لاستخدامها ضمن فرص العدالة المرتقبة".


وأوضح البيان أن وضع حقوق الإنسان في اليمن "خطير" حيث أضحى الاختفاء القسري ممارسة واسعة النطاق ومثيرة للقلق. مشيراً أن الأوضاع لم تتحسن من العام الماضي، بل ساءت في كثير من الحالات.


وفي حين أكد التحالف إلى أنه لا يمكن تحديد عدد المختفين قسراً في اليمن بدقة، إلا أنه استرشد بآخر تقرير لمنظمة العفو الدولية ومنظمات أخرى في العام 2023، الذي ذكر أن الأطراف المتنازعة في اليمن ارتكبت 1,168 حالة اختفاء قسري بين عام 2014 ومطلع عام 2023. 


وبحسب التقرير فإن جماعة الحوثي مسؤولة عن (596) حالة، يليها المجلس الانتقالي الجنوبي الذي كان مسؤولا عن (349) حالة، والحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا التي كانت مسؤولة عن 223 حالة. بالإضافة إلى ذلك، ارتكب التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات (38) حالة اختفاء قسري، وارتبطت قوات النخبة الحضرمية بـ (28) حالة، والقوات المشتركة بـ (15) حالة، وقوات العمالقة بالشراكة مع قوات دفاع شبوة بـ (9) حالات اختفاء قسري.


وقال البيان إنه واستناداً على هذا التقرير فإنه يتضح جلياً أن جميع الأطراف المشاركة في النزاع اليمني متورطة في جرائم الإخفاء القسري للأشخاص، بمن فيهم الرجال والنساء والأطفال. وكثيرًا ما يتم تبرير هذه الجريمة تحت ستار مكافحة الإرهاب والتصدي لخطر الخصوم، بينما في الواقع هي موجهة ضد المعارضين المفترضين أو الأقليات الدينية، أو كأداة ترهيب.


واكد البيان أن معظم حالات إخفاء الأشخاص، لا توجد أدلة على ارتكابهم أية مخالفات، لكن أطراف النزاع تواصل توظيف ملف المعتقلين والمختفين قسرا في كثير من الأحيان كوسيلة ضغط في محادثات السلام، كما أن ملف المختفين قسرا غالبًا ما يتسبب في عرقلة الجهود المبذولة في مفاوضات تبادل المحتجزين، إذ أن رفض الأطراف كشف المعلومات المتعلقة بالمختفين يحول دون الإفراج عنهم، الأمر الذي ينعكس سلبًا على مفاوضات السلام، مشيراً إلى أنه لن يتم المضي قدمًا في ملف المفاوضات ما لم يتم حل هذا الحل.


وأوضح أنه وفي أحدث الحوادث المفزعة للاختفاء القسري، شن الحوثيون حملة بحق عشرات من موظفي الوكالات والمنظمات الدولية والمحلية في صنعاء، وتم احتجازهم بمعزل عن العالم الخارجي. وبحسب بيان مشترك بين وكالات الأمم المتحدة؛ تم احتجاز (17) من موظفيها. كما أكدت هيومن رايتس ووتش أن قوات الأمن الحوثية اعتقلت ما يزيد عن (60) شخصا بين 31 مايو /أيار و12 يونيو/حزيران الماضيين، جميعهم مجهولين المصير حتى الآن باستثناء حالة واحدة. ولم تكن النساء بمأمن من ذلك، فلا يزال مصير (4) نساء مجهولاً حتى اللحظة. 


وأضاف البيان "وقد تزامن هذا الاحتجاز مع حملة إعلامية ضخمة، تم الإيحاء فيها بأن المحتجزين من العاملين في المجتمع المدني، جزء من شبكة تجسس أمريكية وإسرائيلية مزعومة، مما ضاعف الخوف على حياتهم، وساهم في تقويض التعاطف المجتمعي معهم".


وعن الواقع في مناطق سيطرة الحوثيين قالت المنظمات في بيانها "للحوثيين سجل حافل في جريمة إخفاء الأشخاص والتنكيل بهم. ففي حكم صادم في 28 يوليو 2024، أكدت محكمة الاستئناف الجزائي المتخصصة في صنعاء أحكام الإعدام بحق ثلاثة مختطفين ظلوا رهن الاختفاء القسري لأكثر من خمس سنوات".


وفي عدن (خاضعة لسيطرة الانتقالي) سلط البيان الضوء على حالات الإخفاء القسري هناك، موضحا ما كشفه مؤخراً مدير شرطة عدن، الذي اتهم بعض المسؤولين في قوات مكافحة الإرهاب بالتورط في عملية إخفاء المقدم علي عبد الله عشال . مشيراً إلى أنه ورغم كثرة حالات الاختفاء، كانت هذه هي المرة الأولى التي تتخذ فيها السلطات في عدن إجراءات علنية بحق متهمين في وقائع اختفاء قسري. 


وتابعت المنظمات "وما يزال العديد من المدنيين مختفين قسرا أو محتجزين بشكل تعسفي بدعم من السلطات، فعلى سبيل المثال، أصدرت المحكمة الجزائية المتخصصة في عدن حكماً بالسجن أربع سنوات بحق الصحفي أحمد ماهر بتهمة نشر معلومات كاذبة. بينما كان ماهر قد تم اعتقاله من قبل قوات المجلس الانتقالي الجنوبي في آب/أغسطس 2022 واحتجازه بمعزل عن العالم الخارجي، حيث تعرض للتعذيب، وحُرم من التمثيل القانوني، والتواصل مع أسرته، والرعاية الطبية".


وأشارت المنظمات إلى أن بيانات ووقائع الاختفاء القسري في اليمن، تكشف عن جريمة بشعة تنتهك حقوق الإنسان الأساسية، وأبرزها الحق في الحياة. إذ لا يمكن وصف ما يعيشه المختفون من عذاب، وعائلاتهم من حرمان، فكل دقيقة من حياتهم رعب، وكل يوم جديد بمثابة كابوس.


وأردفت "بحسب تقرير حديث صادر عن رابطة أمهات المختطفين وتحالف العدالة من أجل اليمن، فإن 75% من الوفيات في السجون أشخاص مختفين قسرًا، حُرموا من التواصل مع عائلاتهم، والحماية القانونية التي كفلها الدستور والقوانين الوطنية. كما حُرمت العائلات من جثث أحبائهم، وأُجبرت على قبول وفاتهم دون إجراء فحص طبي".


ووفقا لذات التقرير فإن 58% من المختفين، على أقل تقدير، يعانون من ضغوط نفسية رهيبة بعد الإفراج عنهم. فضلاً عن أن تأثير الاختفاء القسري يتجاوز الضحايا، ويمتد لعائلاتهم ولحياة جميع الأفراد الذين يبحثون عنهم، إذ يعانون من ألم نفسي عميق ومعاناة مستمرة".


وشدد البيان على ضرورة أن تُضمد جراح عائلات وأحباء المختفين قسرًا بالإفراج الفوري عنهم.


وأشار البيان في السياق إلى الانتهاكات التي طالت الصحفيين في اليمن لعدة سنوات، مؤكداً أنه واجهوا "أنواعًا من الاعتقالات والاختفاء القسري، فأغلب من تم اعتقالهم تم إخفاؤهم لفترات طويلة قبل أن يعرف أهاليهم بمكان اعتقالهم، وتعرضوا لأنواع مختلفة من التعذيب. فيما لا يزال ثلاثة منهم مختفين قسراً، وقد مر على البعض منهم تسعة أعوام دون أن يعرف عنهم شيء، حسب تقرير مرصد الحريات الإعلامية".


وأكد تحالف ميثاق العدالة من أجل اليمن، أن ممارسة الاختفاء القسري في اليمن، تتجذر على نطاق واسع، ضمن تفشي ثقافة الإفلات من العقاب، والتي تعد أكبر عقبة أمام مكافحة هذه الجريمة. ولا يزال تدهور الأوضاع مستمرًا، على نحو يؤكد الحاجة الملحة إلى تكثيف الجهود لتحقيق العدالة للضحايا وأسرهم وعدم التسامح مع الجناة، داعياً إلى اتخاذ إجراءات عملية للقضاء على جرائم الإخفاء القسري وتعزيز حماية حقوق الإنسان.


ولفت إلى أنه وبينما لم تصادق اليمن على الاتفاقية الدولية لمناهضة الاختفاء القسري، إلا أن التشريع اليمني كفل حرية الأفراد وجرم حرمانهم من حريتهم إلا وفق إجراءات قضائية تتسم بالحياد والنزاهة. 


وبحسب فريق الخبراء الأمميين البارزين بشأن اليمن يكفي تصديق اليمن على العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، ليكون ملزمًا بعدم التورط في حالات الاختفاء القسري. فضلاً عما تقتضيه الممارسة الدولية، بأنه لا يجوز التذرع بأي ظروف أو مبررات، مهما كانت، لتبرير أعمال الاختفاء القسري، حسبما نص إعلان الأمم المتحدة لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري.


وأوصى بيان المنظمات جميع أطراف النزاع بالتوقف الفوري لحالات الاختفاء القسري والاعتقالات التعسفية، وتقديم معلومات فورية عن مكان الأشخاص الذين تم إخفائهم وإطلاق سراح المحتجزين بدون تهمة.


ودعا البيان جماعة الحوثي إلى إنهاء الاختفاء القسري لموظفي المنظمات الدولية والمحلية والإفراج عنهم دون قيد أو شرط.


وطالبت المنظمات الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً بإعطاء الأولوية للتصديق على الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري وضمان تنفيذها من خلال مواءمة التشريعات الوطنية مع المعاهدات والاتفاقيات الدولية.


كما شددت على ضرورة إنشاء الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً هيئة تحقيق وطنية للتحقيق والبحث عن المختفين قسرياً ومعالجة أوضاعهم ودعم عائلاتهم، والعمل على تعزيز التعاون الدولي وتبادل المعلومات مع جميع أصحاب المصلحة من المنظمات والدول والجهات التي نجحت في التصدي لحالات الاختفاء القسري.


ودعا تحالف ميثاق العدالة لليمن والمنظمات الموقعة في نهاية بيانهم، مجلس حقوق الإنسان إلى تشكيل آلية لجنة دولية مستقلة للتحقيق في انتهاكات القانون الدولي التي ارتكبها الأطراف أثناء النزاع في اليمن، بما في ذلك الأطراف غير اليمنية، وضمان معالجة قضية المختفين.


كما طالب الجهات الفاعلة الوطنية والدولية العمل على تعزيز وحماية المنظمات المحلية لحقوق الانسان ومنظمات المجتمع المدني، خاصة تلك التي تعمل تحت سيطرة الحوثيين.