بوركينا فاسو.. تدهور أمني مستمر بعد الانقلاب
منذ الانقلاب العسكري في 24 يناير/ كانون الثاني الماضي، وعجز الحكومة عن التغلب على التهديدات الأمنية، زادت حدة انعدام الأمن في بوركينا فاسو، وأصبحت السلطة الانتقالية الحاكمة، كما يرى خبراء، تتعرض لضغوط كبيرة إثر الهجمات الإرهابية المتكررة التي تشهدها البلاد.
وأفاد تقرير صادر عن منظمة "هيومن رايتس ووتش" في مايو/ أيار الماضي، أن الجماعات المسلحة التي نفّذت هجمات في بوركينا فاسو عام 2016 أصبحت "استغلالية" بشكل متزايد، حيث ترتكب المئات من عمليات القتل والإعدام والاغتصاب، فضلا عن أعمال النهب واسعة النطاق.
وحثت المنظمة المجلس العسكري (الحاكم) على حماية المدنيين "بطريقة أفضل" وضمان احترام القوات الحكومية لحقوق الإنسان.
ووفقا لمنظمة أطباء بلا حدود، تسبّب انعدام الأمن لتعرض أكثر من 500 مركز صحي إما للإغلاق أو العمل بالحد الاستيعابي الأدنى، ما يعرّض نحو مليوني شخص للخطر.
وحسب تقرير حديث لمنظمة "تحالف المواطنين لأجل الساحل"، وهو تحالف غير رسمي يضم العشرات من منظمات المجتمع المدني في منطقة الساحل وغرب إفريقيا، فإن " 8 مدنيين قتلوا بشكل يومي بين أبريل/ نيسان 2021 ومارس/ آذار 2022 خلال انتهاكات في الدول الثلاث بمنطقة وسط الساحل (النيجر ومالي)، بما في ذلك بوركينا فاسو".
وفي 24 يناير الماضي، قاد الجنرال بول هنري سانداوغو داميبا، الرئيس المؤقت بموجب الميثاق المعتمد أخيرا في بوركينا فاسو، انقلابا مع مجموعة من ضباط الجيش تسمى "الحركة الوطنية للحماية والاستعادة"، وأطاح بالرئيس روش مارك كريستيان كابوري، المنتخب ديمقراطيا لولاية ثانية.
وقال داميبا في أحد خطاباته، إنه يضع الأمن على رأس أولوياته، ويعمل على تدمير مخابئ الإرهاب بشكل كبير، وتقليل تأثير التطرف العنيف.
** اضطراب متواصل
قال ريجيس هونكبي، الخبير الجيوسياسي ومؤسس شركة "انترقلوب كونسيلز" للأناضول، إن الوضع الأمني بعد أشهر من الانقلاب "لم يتغير على الإطلاق".
وأوضح أن الوضع "ازداد سوءا"، حيث شهد مايو/ أيار الماضي هجمات متعددة، وعمليات اختطاف واغتيالات وتدمير للنسيج الاجتماعي في المناطق المستهدفة.
وأضاف: "شهدت البلاد عدة هجمات في ظل الحكم العسكري، بما في ذلك الهجوم الذي وقع في 26 فبراير/ شباط الماضي، حيث قُتل 7 من المقاتلين المنضوين تحت برنامج المتطوعين المدنيين للدفاع عن الوطن (VDP) في كمين بمنطقة "سوم" شمالي بوركينا فاسو".
وتابع: "وفي نفس اليوم، ماتت امرأة وطفليها في انفجار لغم أرضي، كما قتل في الهجمات ما لا يقل عن 120 مدنيا، بينهم نساء وأطفال، و14 من أفراد الجيش والأمن".
وأسفر هجوم 11 يونيو/ حزيران الماضي في منطقة "سيتنجا" بالقرب من الحدود النيجيرية عن مقتل 86 مدنيا، وفرار أكثر من 16 ألف شخص من "الهجوم الوحشي"، بحسب الأمم المتحدة.
** تقدم ضئيل
وأفاد تقرير حديث صادر عن "تحالف المواطنين من أجل الساحل" أن عدد النازحين ارتفع في بوركينا فاسو بنسبة 61 بالمئة خلال عام واحد، حيث وصل عدد اللاجئين إلى 1.8 مليون حتى 31 مارس/ آذار الماضي.
ومع ذلك، لم يصدر المجلس العسكري أي بيان، أو يتخذ أي إجراء يشير إلى "عدم تسامحه" مع الانتهاكات التي ترتكبها قوات الدفاع والأمن، وفقا للتحالف.
وأضاف التقرير أن القضاء العسكري لم يحرز سوى "تقدم ضئيل" في التحقيق الخاص بالجرائم الخطيرة المنسوبة إلى عناصر "برنامج المتطوعين المدنيين للدفاع عن الوطن".
وقال هونكبي إنه على الرغم من التزام قوات الأمن في بوركينا فاسو بمتابعة هذه المسائل، إلا أن النتائج "لم تتحقق بعد".
وأوضح أن الانقلاب "لم يكن ضروريا على الإطلاق" في بلد "هش"، ويعاني من العوامل الجيوسياسية لانعدام الأمن في منطقة الساحل.
وأضاف: "الانقلاب خرق النظام الدستوري فقط، وليس هناك ما يبرر حدوثه لتصحيح القصور في السلطة المدنية الفاشلة المنتخبة ديمقراطيا".
** حلول ممكنة
قال مؤسس شركة "انترقلوب كونسيلز" إنه يعتقد أن الجيش "ليس عاجزا عن محاربة الإرهاب" وتكريس قدراته لمجال الأمن الذي يفهمه بشكل أفضل.
وأضاف: "من الحكمة إشراك السكان في مجال الاستخبارات لمعرفة تحرك الجماعات الإرهابية المسلحة، أو أي إشارات غير اعتيادية ومشبوهة".
وشدد على الحاجة "الحيوية" للتعاون الدولي وتطوير استجابة متكاملة من البلدان الإفريقية ودول منطقة الساحل.
وأوضح: "لا ينبغي أن تكون المفاوضات مع الجماعات الإرهابية المسلحة من المحرمات، فهي بالتأكيد خطرة ولكنها ممكنة".
وأشار إلى أهمية التحدي الاجتماعي الذي يجب مواجهته في بلد فقير وغير منظم، حيث الكثير من الإغراءات الهائلة أمام طبقة اجتماعية مشوشة.
وأفاد أن العودة إلى النظام الدستوري يجب أن تكون "غير مشروطة"، لكن يجب أن تتم بطريقة "تدريجية وشاملة".
وأوضح هونكبي أن رأس المال البشري في بوركينا فاسو هو "أحد الحلول" لتحسين الظروف في البلاد وخلق بيئة مستقرة.
وأضاف: "الشباب والمجتمع المدني والنساء لهم دور مهم في هذا التحسين، بشرط تضافر جميع القوى لمواجهة التهديدات الأمنية".