نهضة بعد شلالات الدماء .. كيف تستفيد اليمن من التجربة الرواندية؟


أختتمت اليوم الثلاثاء، أعمال الندوة البحثية الإقليمية حول "البرنامج الرواندي.. التجربة الملهمة" والتي أقامها "مركز المخا للدراسات الاستراتيجية" في مدينة اسطنبول التركية.


وناقش الحاضرون وهم نخبة من سياسيين و إعلاميين وأكاديميين ورجال أعمال يمنيين وعرب، على مدار يومين متتاليين، تجربة دولة رواندا في الإنتقال من مرحلة الإبادة الجماعية التي عصفت بالبلاد صيف 1994، وكيف أستطاعت الحكومة بقيادة الرئيس" بول كاغامه" إنتشال البلاد من وضع الحرب والإبادة إلى مصاف الدول الأكثر نمواً في العالم للإستفادة من هذه التجربة الملهمة في اليمن وشعوب الشرق الأوسط التي عصفت بها أزمات شبيهة في الأعوام الفائتة.


وفي جلسة اليوم التي أدارها الناشط والكاتب اليمني الأستاذ فؤاد الحميري، تم التطرق إلى مشروع العدالة الإنتقالية في رواندا، ودور المسلمين في تجاوز الإبادة، وشواهد النهوض في هذا البلد الصغير والمتعدد الأعراق والديانات والذي يبلغ عدد سكانه حوالي 11 مليون نسمة.


*تاريخ الإبادة ومراحل الإنتقال*


وتحدث في الندوة السيد هابيمانا صالح، السفير الرواندي السابق لدى جمهورية مصر العربية، عن ملامح الإبادة الجماعية وتاريخها، ودور المسلمين القادمين من اليمن وعمان في تجاوزها، وسن قوانين تجريم ثقافة الإنتقام وإلغاء المصطلحات الإثنية والقبلية في البلاد. 


وأشار هابيمانا إلى دور المستعمر الألماني والبلجيكي في تغذية الصراعات الداخلية قبل الإبادة، في تشابه واضح للحالة اليمنية،  مؤكداً على دور الرئيس "بول كاغامه" في الإنتقال وتنشئة المجتمع تنشئة سليمة متجاوزاً تبعات الماضي، " حيث كان يخرج للقاتل والمقتول ويعمل على التصالح بينهم أو تحقيق العدالة، كما جمع أطفال القتلة وأهالي القتلى جميعا وعمل على تنشئتهم وتأهيلهم من جديد على ثقافة التسامح" حسب توصيف هابيمانا .


وتطرق السيد هابيمانا إلى أبرز ما قامت به الدولة بقيادة الرئيس "كاغامه" وفريقه في البلاد، إبتداء من سن قوانين العدالة الإنتقالية، والمحاسبة، وحماية المرأة وسن قوانين للعدالة الجندرية، وقوانين النظافة والإتيكيت، والإهتمام بالتخطيط العمراني والهندسي والبنية التحتية، وإعادة إنشاء المدن بطرق حديثة، وتطوير قدرات الجيش والأمن، ونسج العلاقات المتوازنة مع المحيط والعالم، بالتوازي مع الحفاظ على الهوية والتمسك بالأصل والمحيط الأفريقي. 


*أنا الناجي الوحيد من عائلتي*


وتحدث السيد عبد الكريم إيباريزا عن تاريخ الإبادة في رواندا، حيث أشار إلى أن "المجزرة بدأت بعد مقتل الرئيس الرواندي السابق، وأصدرت الدولة بعد الاغتيال مباشرة حيث قامت الدولة حينها وبعد تحذيرات دولية من وقوع المجزرة بإصدار أوامر بمنع الخروج من المنازل، لكن قبائل الهوتو كانوا مستعدين للقيام بالمجزرة وخرجوا وفي الصباح بدأ الموت.


وأستطرد قائلاً : " أنا الناجي الوحيد من عائلتي، كان القتل من بيت إلى بيت، ولا يفرق بين طفل أو شيخ أو عجوز، وكان العالم كله يرصد هذا الموت، وكانت الناس تلجأ للمدارس أو الكنائس ويلاحقهم الموت ولا ينجو إلا من اختبأ تحت الجثث، بعض العائلات أبيدت بالكامل ومن نجى منهم معاق أو كان مشوها ذهنياً أو خلقياً، في كل قطعة أرض في رواندا كانت تتواجد أكثر من عشر جثث، من الصعب أن أشرح لكم الأمر لأنكم لم تشاهدوه لكنني شاهدته.


وأشار في معرض حديثه عن بشاعة المجزرة  أن "ما جرى في رواندا لا يمكن وصفه، وما حدث بعدها من مصالحة كان معجزة، تخيلوا أن كلاً منا يعرف قاتل أسرته، متحف المجزرة يؤكد أن المجزرة كانت فظيعة وحرصت الحكومة على توثيقها للأجيال".


*العدالة الانتقالية وشواهد النهوض*


وتطرقت السيدة سناء عوض السفيرة السابقة لجمهورية السودان في تايلاند، في حديثها عن شواهد النهوض الذي حصل في رواندا بالقول أن " ما ساعد الدولة في الإنتقال هو المصالحة التي شملت أيضاً قانونا لعدم الإنتقام، وتم تطبيق عقوبات صارمة على الخارجين عليه، وإزالة الفوارق و الإمتيازات بين الطبقات، كما تم سن قانون أوقف التعامل باللغة الفرنسية ورفع الوصاية الفرنسية على البلاد، وتم تغيير لغة الدولة للغة الأنجليزية، وتم فرض أسلوب حياة جديد، والتوسع في التعليم، والتدريب المهني والحرفي، ودعم المزارعين والحرفيين.


وأكدت أن القضاء على البطالة، ونظام إدارة الجودة، وسن قوانين للحفاظ على الإتكيت الشخصي والآداب العامة وجودة تقديم الخدمات وإعمال المؤسسات، والحوكمة ورقمنة الخدمات العامة بشكل كامل، ساهم في نقلة نوعية في هذه البلاد الذي نحرتها الصراعات على مدى عقود.


كما نوهت إلى دور المرأة الكبير في الإنتقال، 55٪ من الشعب نساء، و35٪ من الحكومة نساء، وكذا قوانين فصل الدين عن الدولة، والتي كان لها الفضل في قوة الدولة وإذابة الفوارق الإجتماعية والقبلية. 


*كيف نستفيد من التجربة؟*


وفي حديثه عن كيفية الإستفادة من التجربة الرواندية في اليمن، أشار الباحث اليمني الدكتور  عبد الله التميمي، إلى أن ما حدث رواندا معجزة، ونظرية جديدة يجب أن نستفيد منها فتجارب الشعوب مشتركات إنسانية، والإنسان هو المهم وبإمكانه صناعة الفرق مؤكداً على ضرورة قيام الباحثين ومراكز الدراسات اليمنية بعمل دراسة للتحول في رواندا والإستفادة منه، والحذر من التدخل الأجنبي لدعم الأقليات الذي يزرع الفرقة بين الشعوب، ولقرب ما حدث بافريقيا بشكل عام مما يحدث في اليمن. 


واستطرد قائلا: "من خلال زيارتي لرواندا، ما لاحظته هو الثقة واحترام المعتقدات لدى الشعب، التنظيم والترتيب والدقة والأمن، والنظافة والرياضة والإتيكيت، حيث تعتبر كيغالي انظف مدن أفريقيا حسب تصنيف الأمم المتحدة، كما تعتبر بلدا مفتوحة إقتصادياً على العالم، وهناك جدية في مكافحة الفساد. البلد قائمة على الضرائب ولا توجد ثروات، مع ذلك نهضت وتناست الماضي بعزيمة الشعب والقيادة وعلى اليمنيين الإستفادة من هذه التجربة الفريدة لتجاوز هذا الصراع".


واختتمت الندوة بنقاش واسع من المشاركين عن كيفية الإستفادة من التجربة الرواندية في الصراع اليمني، والبحث عن صيغة جديدة لتحقيق السلام في اليمن بالإستفادة من التجارب الملهمة في رواندا والعالم.


وتأتي الندوة ضمن سلسلة من البرامج التي يقيمها" مركز المخا للدراسات الاستراتيجية" بالإستفادة من الخبرات العالمية، والتي تسهم في بلورة رؤية للسلام والتنمية، وتحقيق العدالة الإنتقالية في اليمن.