
إبادة قطاع غزة المستمرة... فصل من نكبة 48
يشبه ما يعايشه الفلسطينيون في قطاع غزة هذه الأيام ما عايشه أجدادهم قبل 77 عاماً، إبان النكبة عام 1948، حينما احتُلّت فلسطين وهُجّر الفلسطينيون من أراضيهم إلى الضفة الغربية وقطاع غزة والدول العربية. وتتشابه حرب الإبادة الإسرائيلية على القطاع المتواصلة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 مع نكبة 48 قبل عقود، إذ عادت مشاريع التهجير إلى الواجهة من جديد، مع ما طرحته الإدارة الأميركية ورئيسها دونالد ترامب والحكومة الإسرائيلية ورئيسها بنيامين نتنياهو. وتسعى الحكومة اليمينية التي يترأسها نتنياهو لفرض التهجير على أهالي القطاع من خلال توسيع العمليات البرية العسكرية في غزة ودفع السكان نحو دولة ثالثة، بعد أن يُنقلوا في سياق ما يعرف بخطة "عربات جدعون" التي طُرحت أخيراً.
وسعى الاحتلال مرات عدة لفرض التهجير الطوعي والإجباري على السكان من خلال ما عرف في بداية هذه الحرب بأوامر الإخلاء من مدينة غزة وشمالها نحو مناطق جنوب وادي غزة، ثم ما عرف لاحقاً بـ"خطة الجنرالات" أو الميناء العائم الذي فشل.
رفض واسع
وتحظى مخططات التهجير برفض فلسطيني واسع في الأوساط الفصائلية والشعبية، إذ تتمسّك الفصائل الفلسطينية بمطالبها في إنهاء هذه الحرب والانسحاب الإسرائيلي وفرض هدنة طويلة الأمد لا تقل عن خمس سنوات. ولا يبدو المشهد بالنسبة لسكان القطاع مخالفاً كثيراً عما عايشه أجدادهم وآباؤهم خلال فترة نكبة 48، إذ تتقاطع الفترتان بين المجازر والتهجير والتجويع.
ويستخدم الاحتلال الإسرائيلي سلاح التجويع منذ بداية الحرب، فقد فرض سابقاً هذا الأسلوب على سكان مناطق غزة وشمالها، ثم يفرضه حالياً على جميع سكان القطاع، منذ أن فرض الحصار المشدد في 2 مارس/ آذار الماضي قبل أن يستأنف الحرب على غزة في 18 مارس الماضي. ويخشى الفلسطينيون من أن يقوم الاحتلال بترحيلهم وتهجيرهم إلى خارج القطاع في سياق الحرب المتواصلة، وفشل جميع الأطراف العربية والدولية في الوصول إلى اتفاق يضع حداً للمخططات الإسرائيلية، في الوقت الذي يعوّل فيه فلسطينياً على الصمود الداخلي في ضوء غياب الإسناد العربي والدولي للشعب الفلسطيني، واقتراب الحرب من إتمام عامها الثاني على التوالي، وسط تتالي المخططات الإسرائيلية التي تستهدف وجودهم.
وتتزامن ذكرى نكبة 48 مع تحوّلات على مختلف الصعد يواجهها المشهد في غزة، لعل أبرزها السعي الإسرائيلي لتفكيك وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، واستبدالها بمؤسسات دولية وأميركية أخرى، لنسف حق العودة، بصفة "أونروا" حامية فكرة العودة.
نكبة 48 تتكرّر
ويشبّه الفلسطيني مدحت العُمري (82 عاماً) ما يجري في القطاع اليوم بما حصل خلال فترة نكبة 48 وما تبعها من السعي المتواصل لتهجير الفلسطينيين خارج أرضهم ودفعهم للتوطين خارجه. ويقول العمري، لـ"العربي الجديد"، إن نكبة 48 تتكرر اليوم، من خلال مساعي الاحتلال الإسرائيلي لتهجير الفلسطينيين وإعادة سيناريو التهجير الذي حصل في عام 1948 من جديد، لكن هذه المرة بتهجير أهالي القطاع للخارج. ويلفت إلى أن الفلسطينيين خلال نكبة 48 واجهوا التجويع وقلة الرعاية الصحية قبل أن يجرى تأسيس "أونروا" في وقت لاحق، فيما يعاني سكان القطاع من ذات الأمر حالياً في ظل المخططات الإسرائيلية لتهجير أهالي غزة. ويطالب العمري الدول العربية والإسلامية باتخاذ موقف شعبي ورسمي حازم تجاه المخططات الإسرائيلية، والعمل على توفير الاحتياجات الفلسطينية من أدوية وأغذية وإفشال الخطط التي يسعى الاحتلال لفرضها بالقوة العسكرية.
أما الفلسطينية جميلة الزعانين، من مدينة بيت حانون شمالي القطاع، فرغم تقدمها في السن إلا أنها تذكر مشهد نزوح الفلسطينيين نحو القطاع إبان نكبة 48 في الوقت الذي يسعى الاحتلال فيه لتكرار التجربة وطرد الفلسطينيين خارج أرضهم. وتقول الزعانين، لـ"العربي الجديد"، إن هذه التجربة تشبه ما كانت تستمع له من عائلاتها ومن الفلسطينيين الذين هجروا في عام 1948، من خلال النزوح من مكان إلى آخر والمجازر التي يرتكبها الاحتلال.
وتصف الفلسطينية المشهدين بأنهما مشابهان بعضها لبعض مع اختلاف الزمن، حيث تكرر نزوحها خلال هذه الحرب لأكثر من عشر مرات، فضلاً عن صعوبة العيش وسلاح التجويع الذي يستخدمه الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين. وتخشى من أن يكرر الاحتلال الإسرائيلي تجربة نكبة 48 من جديد، عبر الخطط التي يسعى لتمريرها، حيث تقول: "صعوبة الهجرة في العام 1948 لم تكن تشبه ما يجري الآن، رحلّونا الآن من بيوتنا وجوعونا وقتلوا أطفالنا".
سلاح التهجير: النكبة حالة دائمة
من جانبه، يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر في غزة ناجي شراب إن سلاح التهجير الذي يستخدمه الاحتلال منذ 1948 وحتى الآن يعكس حالة النكبة الدائمة التي ترتكب بحق الشعب الفلسطيني. ويضيف شراب، لـ"العربي الجديد"، أن الخطر الأكبر يتمثّل في استمرار التهويد والاستيطان وحالة الحرب والسعي الإسرائيلي لغلق ملف القدس واللاجئين، وغلق ملف القضية الفلسطينية، والسعي لتوسعة اتفاقيات التطبيع، ولو كان على حساب الفلسطيني.
وبحسب أستاذ العلوم السياسية، فإن التحوّل الحالي هو السعي لتحويل الصراع من حق فلسطيني في الدولة إلى مجموعة من الأفراد تحتاج فقط إلى الأكل والشرب والأدوية دون النظر لأي حقوق سياسية، لافتاً إلى أنّ الاحتلال يواصل استيلاءه على الأرض الفلسطينية، وحتى الاتفاقيات الموقعة مع السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير باتت ملغية، بما في ذلك اتفاقية أوسلو الموقعة عام 1993 والتي بموجبها شُكلت السلطة الوطنية.
ويبيّن أن ثمة حالة صمود ورفض للتهجير من قبل الناس في غزة، إلا أن هناك تركيزاً على إلغاء قضية اللاجئين في غزة كما تقوم إسرائيل بإلغائها في الضفة والقدس المحتلتين عبر تصفية جسم "أونروا" الذي شُكّل بموجب قرار أممي. ويعتقد شراب أن هناك فرصة أمام الفلسطينيين لإحباط هذه المشاريع في ظل حالة الصمود، غير أن حالة الانقسام السياسي بين الفصائل، تعتبر أحد العوامل السلبية التي تتطلب جهداً وعملاً فلسطينياً منظماً.
العربي الجديد