هيومن رايتس ووتش: إسرائيل ترتكب الإبادة الجماعية في غزة

اتّهمت منظمة "هيومن رايتس ووتش" إسرائيل بارتكاب "جريمة الإبادة وأفعال الإبادة الجماعية" في حربها على غزة بسبب فرضها قيودا على وصول سكّان القطاع إلى المياه، مطالبة بفرض عقوبات على دولة الاحتلال الإسرائيلي. 


وفي تقرير مكون من 184 صفحة، صدر اليوم الخميس، ويحمل عنوان "الإبادة وأفعال الإبادة الجماعية: تعمُّدُ إسرائيل حرمان الفلسطينيين في غزة من المياه"، أكدت المنظمة أن السلطات الإسرائيلية تعمدت خلق ظروف معيشية تهدف لتدمير جزء من السكان في غزة، وذلك من خلال تعمد حرمان الفلسطينيين هناك من الوصول إلى المياه بشكل كافٍ، ما أدى على الأرجح إلى آلاف الوفيات". 


واعتمدت منظمة هيومن رايتس ووتش، في تقريرها، على عدد من المصادر والمقاربات في تحقيقها من ضمنها مقابلات مع 66 فلسطينيا من قطاع غزة، وأربعة موظفين في مصلحة مياه بلديات الساحل في القطاع، و31 موظفا طبيا، و15 شخصا يعملون مع وكالات تابعة للأمم المتحدة، ومنظمات الإغاثة الدولية في غزة، بالإضافة إلى تحليل صور أقمار صناعية وفوتوغرافية وفيديوهات وبيانات جمعها أطباء وعلماء أوبئة ومنظمات إغاثة وخبراء في مجالات مختلفة بما فيها المياه والصرف الصحي. 


وأضاف التقرير "بهذا الفعل، تتحمل السلطات الإسرائيلية مسؤولية الجريمة ضد الإنسانية المتمثلة في الإبادة وأفعال الإبادة الجماعية. وقد يرقى هذا النمط من السلوك، إلى جانب التصريحات التي تشير إلى أن بعض المسؤولين الإسرائيليين كانوا يرغبون في تدمير الفلسطينيين في غزة، إلى جريمة الإبادة الجماعية".


وأكدت "هيومن رايتس ووتش" أن السلطات الإسرائيلية "حرمت الفلسطينيين في غزة عمداً من المياه الآمنة للشرب والصرف الصحي اللازمة للحد الأدنى من بقاء الإنسان على قيد الحياة. وأوقفت السلطات والقوات الإسرائيلية ضخ المياه إلى غزة ثم قيّدت ذلك لاحقا؛ وعطّلت معظم البنية التحتية للمياه والصرف الصحي في غزة بقطع الكهرباء وتقييد الوقود؛ وتعمّدت تدمير البنية التحتية للمياه، والصرف الصحي، ومواد معالجة المياه وأصابتها بأضرار؛ ومنعت دخول إمدادات المياه الأساسية". 


ومن ضمن ما خلصت إليه المنظمة أيضاً أن "السلطات الإسرائيلية خلقت عمدا ظروفا معيشية هدفت لإلحاق التدمير المادي بالفلسطينيين في غزة كليا أو جزئيا. هذه السياسة، التي فُرضت كجزء من القتل الجماعي للمدنيين الفلسطينيين في غزة، تعني أن السلطات الإسرائيلية ارتكبت الجريمة ضد الإنسانية المتمثلة في الإبادة، والتي ما زالت مستمرة". وتشير المنظمة أيضاً إلى أن هذه السياسة "ترقى إلى حد "أفعال الإبادة الجماعية" الخمسة بموجب "اتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1948". 


ويؤكد التقرير أن السلطات الإسرائيلية منعت "دخول جميع المساعدات المتعلقة بالمياه تقريبا إلى غزة، بما فيها أنظمة تنقية المياه، وخزانات المياه، والمواد اللازمة لإصلاح البنية التحتية للمياه". وتشير المنظمة إلى تقارير صادرة عن الأمم المتحدة ومنظمات أخرى مفادها أن الناس لم يتمكنوا في أجزاء من قطاع غزة من الحصول على الحد الأدنى من المياه اللازمة للبقاء على قيد الحياة في حالات الطوارئ الطويلة الأمد. وفي شمال غزة، أفادت الأمم المتحدة بأن الناس لم يتمكنوا من الحصول على مياه الشرب لأكثر من خمسة أشهر، بين نوفمبر/تشرين الثاني 2023 وإبريل/نيسان 2024". وأكدت الأمم المتحدة أن الباقين لا يحصلون على المياه الكافية اللازمة للشرب والطهي. 


وذكرت المنظمة أن القوات الإسرائيلية تعمدت مهاجمة العديد من المرافق الرئيسية للمياه، والصرف الصحي، والنظافة الصحية وإلحاق الضرر بها أو تدميرها"، لافتة إلى وجود أدلة، وفي حالات عديدة، على أن القوات البرية الإسرائيلية كانت تسيطر على المناطق في ذلك الوقت، ما يشير إلى أن التدمير كان متعمدا.  


ويرجح التقرير وفاة الآلاف من الفلسطينيين نتيجة لتلك السياسات المتعمدة وغيرها بما فيها تدمير نظام الرعاية الصحية في غزة، بناء على مقابلات مع مختصين بالرعاية الصحية وعلماء الأوبئة. وقال أطباء وممرضات قابلتهم هيومن رايتس ووتش إن "العديد من مرضاهم توفوا بسبب أمراض وعدوى يمكن الوقاية منها، وجروح قابلة للشفاء، بسبب الجفاف وغياب المياه". وقال التقرير إن إحدى الممرضات في غرفة الطوارئ قالت إنها اضطرت إلى اتخاذ قرار "بعدم إنعاش الأطفال الذين كانوا يعانون من سوء تغذية وجفاف شديد".


ويشير التقرير إلى أن "الحصار المستمر الذي تفرضه الحكومة الإسرائيلية على غزة، والإغلاق الذي تفرضه منذ أكثر من 17 عاما، يرقى أيضا إلى عقاب جماعي للسكان المدنيين، وهو جريمة حرب". ويشكّل الإغلاق أيضا جزءا من الجريمتين المستمرتين ضد الإنسانية المتمثلتين في الفصل العنصري والاضطهاد اللتين ترتكبهما السلطات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين". ولفت التقرير إلى تقويض "العديد من الحكومات جهود المساءلة واستمرارها بتزويد الحكومة الإسرائيلية بالأسلحة رغم الخطر الواضح المتمثل في التواطؤ في انتهاكات خطيرة للقانون الإنساني الدولي".


ودعت المنظمة الحقوقية إسرائيل إلى اتخاذ إجراءات عدة، بما في ذلك "ضمان توفير المياه الكافية والوقود والكهرباء لقطاع غزة على الفور". وطالبت هيومن رايتس ووتش المجتمع الدولي بـ"اتخاذ كل الخطوات الممكنة لمنع المزيد من الأذى". وأضافت "على الحكومات التي تسلّح إسرائيل أن تضع حدا لخطر التواطؤ في الجرائم الفظيعة في غزة وتتّخذ إجراءات فورية لحماية المدنيين بحظر الأسلحة والعقوبات الموجهة ودعم العدالة".


وعلقت المديرة التنفيذية للمنظمة الدولية تيرانا حسن، بمناسبة صدور التقرير، قائلة "تعد المياه أساسية للحياة البشرية، ومع ذلك، تتعمد الحكومة الإسرائيلية منذ أكثر من عام حرمان الفلسطينيين في غزة من الحد الأدنى الذي يحتاجون إليه للبقاء على قيد الحياة". وتابعت "هذا ليس مجرد إهمال، إنها سياسة حرمان مدروسة أدت إلى وفاة الآلاف جرّاء الجفاف والمرض، وهو ما لا يقل عن الجريمة ضد الإنسانية المتمثلة في الإبادة وأحد أفعال الإبادة الجماعية".


من جانبها، وصفت وزارة الخارجية الإسرائيلية الخميس أنّ تقرير منظمة "هيومن رايتس ووتش" الذي يتهمها بتنفيد "أعمال إبادة جماعية" في قطاع غزة من خلال تقييد الوصول إلى المياه "افتراء". وقالت الوزارة في بيان "مرة أخرى تنشر هيومن رايتش ووتس افتراءاتها الدموية من أجل تعزيز دعايتها المناهضة لإسرائيل... هذا التقرير مليء بالأكاذيب المروعة حتى عند مقارنته بمعايير هيومن رايتس ووتش غير الدقيقة فعلا".


العربي الجديد