77% منها قد يكون مزعجاً.. لماذا تتكرر بعض أحلامنا؟
تكرار الحلم ظاهرة معروفة؛ فإذا حلمتَ مراراً بأنك تفقد أسنانك، أو أنك نسيت الذهاب إلى الفصل الدراسي، أو أنك وجدتَ نفسك عارياً في مكانٍ عام؛ لا تقلق، أنتَ لستَ وحيداً. فهذه الموضوعات، وغيرها، تُعتبر نموذجية للأحلام.
ليست هذه الأحلام نوعاً من الكوابيس التي تراودك مرة وتنقطع لاحقاً، بل إنها أحلام تتكرر مراراً ويشيع نمطها بيننا. وغالباً ما تمنحنا شعوراً بالانزعاج، كما أننا نحتاج إلى بذل مجهودٍ للتغلب على أثرها.
يشيع تكرار الحلم في مرحلة الطفولة، ولكن يمكنه أن يتواصل معنا في مراحل الشباب والشيخوخة. وليس من الضروري أن يتكرر الحلم في أوقاتٍ متقاربة، وإنما قد يراودنا مرتين في شهر واحد، أو مرة كل سنة أو سنوات. باختصار، لا يوجد معدّل لتكرار الحلم.
وفقاً لـSleep Foundation، يعاني 60 إلى 75% من البالغين الأمريكيين من أحلام مزعجة متكررة، والنساء يعانين منها أكثر من الرجال. ورغم أن تكرار الأحلام جزءٌ طبيعي من النوم، إلا أن 77% من هذه الأحلام قد يكون مزعجاً.
ما معنى تكرار الحلم؟
من الصعب إحصاء مدى انتشار تكرار الحلم، فهو ليس شيئاً يحدث بانتظام لكل الناس، وفي أوقاتٍ وأزمنة معروفة. فقد يتكرر الحلم نفسه كل مرة، أو أنه قد يعيد تدوير الأحداث والمخاوف نفسها، مع بعض الاختلافات.
لكن، مهما كان الأمر، فإن تكرار الحلم مراراً جديرٌ بأن نتحقق من أسبابه.
تقول ديردري باريت، المحاضرة في علم النفس بقسم الطب النفسي في جامعة هارفارد الأمريكية: "غالباً ما تدور الأحلام المتكررة حول تجارب معيشية عميقة التأثير فينا، أو قضايا شخصية قد تراودنا في اليقظة لأنها جزء منا، بمعنى أنها ليست مجرد حوادث تقع مرة واحدة".
وفي حديثٍ إلى موقع CNN الأمريكي، يرجح الدكتور أليكس دميتريو (أخصائي طب النوم) أن تلك الأحلام تحاول إخبارنا برسائل معيّنة، "لذلك فالتعامل مع الأمر ينبغي أن ينطلق من معرفة هذه الرسائل. وعندما سنفعل ذلك، فسيزول عنا الشعور بالانزعاج".
في بعض الأحلام المتكررة، تكون الرسالة مباشرة. فإن كنت تحلم مراراً بالتأخر عن المدرسة أو العمل، فعلى الأغلب أنك غير مستعد للمدرسة أو العمل، أو أن هناك ما يُشعرك بالتوتر فيما خصّهما.
لكن بعض الأحلام المتكررة الأخرى، وإن كانت شائعة، فإنها تحتاج من كل شخص تراوده إلى البحث قليلاً في أعماق نفسه لمعرفة المزيد، وإدراك الرسالة التي ينطوي عليها الحلم.
وفي هذا الإطار، تؤكد باريت: "في تفسير الأحلام، لا نؤمن بأن هناك رموزاً عامة يمكن الاعتماد عليها لتأويل هذه الأحلام، وإنما نعتقد أن لكل شخصٍ رموزه الخاصة والدلالات التي ترتبط بها، وهي تختلف من شخصٍ لآخر".
واتفقت مع ديميتريو أنه، إضافةً إلى التوتر، فإن الأسباب الشائعة لتكرار الحلم تتراوح ما بين: الحرج الاجتماعي، وقلة الشعور بالاندماج، والإحساس بالخطر الذي غالباً ما يرتبط بأحلام حوادث السير أو الكوارث الطبيعية.
وأضافت باريت: "قد ترتبط أحلام سقوط الأسنان أو تسوُّسها بفقدان شيءٍ في حياتنا، أو شعور باليأس، أو بالعجز عن الدفاع عن النفس، أو بالخوف من الإصابة بمرضٍ ما".
من جهته، قال ديميتريو: "مع تكرار الحلم، اسأل نفسك عن الرسالة التي يمكن أن يحملها هذا الحلم لك. ما علاقتك بالأشياء أو الأشخاص الذين رأيتهم في الحلم؟ ما أبرز الأسباب لتكرار الحلم؟ وما الذي يخيفك في هذا الحلم حقاً؟
ووفقاً لمجلة L'actualité الكندية، فإن علم الأحلام يشير إلى أن تكرار الحلم قد يعكس صراعات غير محلولة في حياة الشخص الحالم. فالتكرار يحدث غالباً في أوقات التوتر، أو على فترات طويلة من الزمن. ولا تصور هذه الأحلام نفس الموضوع فحسب، بل تصور أيضاً قصة معينة يمكن تكرارها من ليلة إلى أخرى.
من هم أكثر عرضة لتكرار الحلم؟
من المهم أن يحاول كل منا تفسير حلمه بشكلٍ خاص، إما بمفرده أو مع أخصائي، قد يطرح أسئلة مهمة أو يلفت نظرك إلى أمورٍ لم تفكر بها من قبل. ومع ذلك، فقد تم ربط تكرار الحلم بالصحة النفسية.
ووفقاً للمكتبة الوطنية الأمريكية للطب (NIH)، فإن الأشخاص المصابين باضطراب القلق العام غالباً ما تكون لديهم أحلام مزعجة متكررة، رغم أن محتواها قد يختلف من شخصٍ إلى آخر.
وعموماً، فإن الأشخاص الذين يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، أو الاكتئاب، أو القلق المفرط هم أكثر الناس عرضة لتكرار الحلم، خاصة أولئك الذين يتنازعهم شعور القلق بطبيعتهم.
وظاهرة تكرار الحلم بين المصابين باضطراب ما بعد الصدمة، عادة ما ترتبط بصدمات شديدة تعرّض لها هؤلاء الأشخاص، حتى تصبح مشاعرهم خلالها كابوساً يطاردهم.
ففي هذه الأحلام، يحاول دماغ الإنسان أن يعالج مشكلة ما، وأن يتجاوزها في الوقت نفسه. وغالباً ما تكون أحلام الأشخاص الذين يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة واقعية، لدرجة أنها توقظهم فزعاً من نومهم. وتصبح هذه المشكلة الأساسية، لأن الحلم لا ينقضي أبداً، بل يتكرر.
أسباب بيولوجية لتكرار الحلم
من جهة أخرى، يمكن أن يكون سبب تكرار الحلم بيولوجياً. فالأشخاص الذين يعانون من انقطاع النفس الانسدادي النومي تراودهم أحلام الغرق، أو الاختناق، أو الحصار تحت الأمواج، أو انقطاع النفس، أو حتى الموت اختناقاً.
كذلك، يميل الأشخاص الذين يعانون من الصرع (Epilepsy) إلى تكرار الحلم بشكلٍ مكثف وحيوي للغاية. وقد تمنحهم هذه الأحلام المزعجة المتكررة شعوراً بالخوف أو الرهبة.
غالباً ما تبدأ مرحلة تكرار الحلم بعد نوبة الصرع الأولى بفترةٍ وجيزة، ولكنها تصبح أقلّ شيوعاً لدى الأشخاص الذين يخضعون لعلاجٍ مستمر.
علاوة على ذلك، فإن تكرار الحلم يكون أحياناً بسبب وجود بعض المحفزات في البيئة المحيطة، مثل إنذار السيارة في الشارع أو صنبور تتقاطر منه المياه، أو ساعة حائط تصدر صوتاً قوياً في الليل؛ كلها أمور من شأنها أن تحفز أحلاماً مرتبطة بصورٍ عنها.
ويمكن أن يكون سبب تكرار الحلم أبسط من ذلك. فقد نحلم بأمورٍ مزعجة في كثيرٍ من الأحيان إذا لم نحصل على قسطٍ كافٍ من النوم، أو لأننا شربنا الكافيين في وقتٍ متأخر، أو بسبب الكحول أو العمل لوقت متأخر. والحقيقة أن طريق الأحلام الصحية يبدأ من النوم الصحي.
أحلام مزعجة متكررة.. كيف نتعامل معها؟
كلما تحسن استيعابك للمخاوف المرتبطة بتكرار الحلم، خفّت نسبة الأحلام المزعجة المتكررة. حاول مثلاً أن تكتب عن مخاوفك قبل النوم، وأن تعبّر في الكتابة عن مشاعرك بصراحة متناهية.
قد يخفف ذلك من الأحلام المزعجة المتكررة، فالكتابة أداة فعالة للغاية لمحاربة التوتر، لأنها تمنحنا إحساساً بالراحة المرتبطة بالتأمل. قسّم موضوعات الكتابة إلى 3 أقسام:
ما أول فكرة تراودك؟
ما أول شعور ينتابك؟
ما أقرب فكرة واقعية مرتبطة بهذا الشعور؟
هذا جزء من العلاج السلوكي المعرفي. ولكن في حال كان تكرار الحلم يُشعرك بالتوتر أو التعاسة، أو أعراض أخرى لا يمكنك السيطرة عليها وتُضعف قدرتك على ممارسة مهامك اليومية، فقد حان الوقت لطلب المساعدة من متخصّصين.