لماذا تغيب المكيّفات عن البيوت في أوروبا رغم الحرّ؟
مع وصول درجات الحرارة في بريطانيا إلى مستوى غير مسبوق تجاوز 40 درجة مئوية هذا الأسبوع، لجأ بعض السكان إلى إجراءات بسيطة وقديمة للتخفيف من الحرّ، فلوّحوا بمراوح يدوية واستعملوا المناشف المبلّلة والجليد.
لكن بالنسبة لآخرين، فقد كان ذلك إنذاراً بضرورة التغيير. وفي ظلّ حرارة حطّمت الأرقام القياسية بارتفاعها، قرّر هؤلاء اللجوء إلى ما رفضه الكثيرون في أوروبا وبريطانيا لفترة طويلة باعتباره رفاهية غير ضرورية وخطراً يدمّر كوكب الأرض: مكيّف الهواء.
وبحسب ما أوردته صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، أول أمس الأربعاء، فإنّ نظام التبريد، شديد الاستهلاك للطاقة والمستخدم على نطاق واسع في دول عدة حول العالم، بات جذاباً بشكلٍ متزايد للبريطانيين والأوروبيين، الذين يواجهون صيفاً قاسياً، كنتيجةٍ جزئية لـتغيّر المناخ بفعل الإنسان.
في الأيام الأخيرة، ارتفعت درجات الحرارة بشكلٍ كبير في معظم أنحاء أوروبا الغربية، ما أدّى إلى اشتعال الحرائق في الغابات في فرنسا واليونان وإيطاليا، وتسبب في وفاة أكثر من 1000 شخص في البرتغال وحدها.
وقالت متاجر التجزئة البريطانية سينسبري، مطلع الأسبوع الحالي، إنّ مبيعات وحدات تكييف الهواء المحمولة ارتفعت بنسبة 2420% خلال أسبوع واحد. كما أدّى ارتفاع الطلب على وحدات التكييف المركزية في لندن إلى امتداد مواعيد التركيب حتّى الخريف، بحسب "واشنطن بوست".
لكن لماذا لم تكن منازل الأسر الأوروبية مجهزةً بالفعل بتكييف الهواء؟ وهل ستقع أوروبا "ضحية إدمان على غرار الولايات المتحدة لمكيفات الهواء"، كما حذر الباحث في التحكم في المناخ ستان كوكس؟
لماذا لا توجد مكيفات في المنازل الأوروبية؟
يؤرخ الأكاديميون اختراع المكيّف في فلوريدا الأميركية في خمسينيات القرن التاسع عشر. في وقتنا الحالي، يوجد في قرابة 90% من المنازل في الولايات المتحدة شكل من أشكال تكييف الهواء، وفقاً لبيانات التعداد الأميركية.
سخر القادة والعلماء في أوروبا على مدار عقود من اعتماد الولايات المتحدة على مكيّف الهواء كمثال آخر على "الإسراف الأميركي". في العام 1992، حذّر الخبير الاقتصادي في جامعة كامبريدج جوين برينز من أنّ "الإدمان الجسدي للهواء المكيّف هو الوباء الأكثر انتشاراً والأقل ملاحظةً في أميركا الحديثة".
تعدّ المكاتب المكيّفة أمراً شائعاً في أوروبا، ولكن من النادر جداً العثور على وحدات تكييف في المنازل. وفقاً لأحد التقديرات الصناعية، فإنّ 3% فقط من المنازل في ألمانيا وأقل من 5% من المنازل في فرنسا مجهزة بمكيّفات هواء. كما تشير التقديرات الحكومية في بريطانيا إلى أنّ أقل من 5% من المنازل في إنكلترا مجهزة بمكيّفات.
يعود جزءٌ من ذلك إلى حقيقة أنّ الحاجة لتبريد الهواء عبر التاريخ في باريس عاصمة فرنسا، كانت أقل بكثير من مدينة باريس الموجودة في ولاية تكساس الأميركية. صحيح أنّ الدول الأوروبية كانت تتمتّع بصيف دافئ، لكن نادراً ما كانت درجات الحرارة ترتفع بشدّة، على العكس من جنوب الولايات المتّحدة.
وحتّى في الأيام الملتهبة، من غير المرجح أن يكون الهواء في روما رطباً كما هو الحال في سيول أو طوكيو أو واشنطن. أما في بريطانيا، التي تشتهر بالرطوبة أكثر من الحرارة، فقد تمّ بناء المنازل تقليدياً بشكلٍ تحتفظ فيه بالدفء بدل التخلّص منه.
هل يدفع ارتفاع الحرارة أوروبا إلى إعادة النظر في مكيف الهواء؟
يتزايد اعتماد الدول الأوروبية على تكييف الهواء، حتّى قبل موجة الحر الحالية. في تقرير صادر في العام 2018، أشارت وكالة الطاقة الدولية إلى أنّ ملكية المكيّفات في إيطاليا وإسبانيا واليونان وجنوب فرنسا قد ارتفعت بسرعة خلال العقد الماضي.
قدّر تقرير وكالة الطاقة الدولية أنّ عدد وحدات تكييف الهواء في الاتحاد الأوروبي سيتضاعف من 110 ملايين في العام 2019 إلى 275 مليوناً في العام 2050.
لا يشك معظم العاملين في الصناعة في الدافع وراء ارتفاع الطلب على التكييف: ارتفاع درجات الحرارة في الصيف. صارت أوروبا الآن بقعة ساخنة مع تزايد عدد موجات الحر على مدى العقدين الماضيين. وجدت الأبحاث التي أجراها مكتب الأرصاد الجوية في المملكة المتحدة أنّ البلاد صارت الآن أكثر عرضة بمقدار 10 مرات لتجربة يوم تتجاوز فيه الحرارة 40 درجة مئوية ممّا كانت عليه قبل تغير المناخ.
الآن، يزداد عدد المتقبلين في أوروبا لاستخدام المكيّف، باعتبار أنّه قد يكون ضرورياً لإنقاذ الأرواح. بعد موجة الحر التي قتلت ما يقدّر بقرابة 15000 شخص في فرنسا في العام 2003، تمّ إدخال تكييف الهواء في بعض دور رعاية المسنين في محاولة لحماية الفئات الأضعف.
قال ريتشارد سالمون، وهو مدير شركة لتكييف الهواء يقع مقرها في لندن، لصحيفة واشنطن بوست: "من الواضح أنّ الناس بدأوا يدركون أنّ الصيف الساخن سيستمر، وهم يائسون لإيجاد حلّ دائم للمستقبل"، وأشار إلى أنّ شركته قد انتقلت من تقديم 20 استشارة يومية خلال فصل الصيف "العادي" إلى 300 طلب استشارة خلال الأسبوع الماضي وحده.
هل ينبغي أن يتقبّل الأوروبيون مكيف الهواء؟
يختلف ذلك من دولةٍ إلى أخرى. في الحالة البريطانية لن يكون ذلك مشكلةً مستعصيةً، بحسب سالمون.
يمكن أن تحتوي معظم المنازل البريطانية، على الرغم من قدمها نسبياً، على تكييف مركزي يثبّت "بأقل قدر من الضجيج"، وفق سالمون. لكن المشكلة تكمن في البيروقراطية الحكومية التي سيواجهها سكّان المنزل للحصول على تصريح، خاصةً إذا كان المنزل مدرجاً للحفظ أو إذا كان شقّة في عمارة سكنيّة.
لكن، ما زال الارتفاع في استخدام التكييف يثير أسئلة ضخمة عبر القارة بأكملها حول الاستدامة. مهما ارتفع، فلن يشكّل الطلب الأوروبي على أجهزة تكييف الهواء سوى غيض من فيض الطلب العالمي. الغالبية العظمى من السكان في الهند، على سبيل المثال، ليس لديهم تكييف على الرغم من ارتفاع درجات الحرارة باستمرار.
حذّرت وكالة الطاقة الدولية من "أزمة باردة" محتملة حين يفوق الطلب العالمي على أجهزة تكييف الهواء القدرة الاستيعابية للشبكات الكهربائية ولإمدادات الطاقة.
تزامنت موجة الحرّ الحالية في أوروبا مع مطالب الحكومة للمستهلكين باستخدام طاقة أقل وسط مخاوف بشأن إمدادات الغاز من روسيا.
قال كوكس: "لا يمكنني أن ألوم الأوروبيين على شراء مكيفات الهواء في الوقت الحالي"، أضاف: "قبل قرابة عقدين، قيل لأولئك الذين عاشوا موجة الحر في العام 2003، والتي أودت بحياة عشرات الآلاف، إنها كانت مجرد مصادفة، وإنّها أمرٌ يحدث مرة كل بضعة قرون. لكن ها هي الموجة تتكرّر الآن، بعد 19 عاماً فقط، ومن المتوقع أن تحدث مرّة أخرى".
قد تكون هناك بدائل لتكييف الهواء من التكنولوجيا الجديدة، مثل المضخات الحرارية، الأكثر كفاءة في استخدام الطاقة، وصولاً إلى التقنيات القديمة، مثل استخدام غرف أصغر وعزل أفضل. في كلّ حال، من المرجح أن يكون تكييف الهواء جزءاً من مستقبل أوروبا بطريقة أو بأخرى.
قال كوكس: "إنّها أداة أساسية لإنقاذ الأرواح خلال موجات الحر، لكن تأثيرها السلبي على المناخ يحدث عند الإفراط في استخدامها بشكل روتيني ومتكرّر من قبل الجميع لعدّة أشهر في كلّ عام".
أضاف: "هذا الإفراط في الاستخدام يمنعنا أيضاً من التأقلم بشكل كافٍ مع الطقس الحار، وهو ما يجعلنا أكثر عرضة للتأثّر جسدياً ونفسياً بارتفاع الحرارة، وبالتالي أكثر اعتماداً على تكييف الهواء".
(العربي الجديد)