مسجد الأشرفية... مفخرة الدولة الرسولية في تعز اليمنية
يقع مسجد ومدرسة الأشرفية على السفح الشمالي لقلعة القاهرة التاريخية في مدينة تعز جنوب غربي اليمن، ويعتبر من أشهر المعالم الإسلامية في المدينة، وتحفة معمارية شاهدة على عظمة الدولة الرسولية.
وكانت مدينة تعز عاصمة الدولة الرسولية التي أسسها الملك المنصور، وحكمت اليمن بين العامين 628 و858 الميلاديين. وامتد نفوذ الدولة الرسولية من حضرموت جنوباً إلى مكة شمالاً.
واشتهرت الدولة الرسولية بأن حكامها كانوا من أصحاب المؤلفات في مختلف العلوم، وتركوا إرثاً كبيراً، واهتموا ببناء المساجد والمدارس.
وأمر بتأسيس مسجد الأشرفية الملك الأشرف إسماعيل بن العباس بن علي بن داود بن يوسف بن عمر الرسولي. وبدأت أعمال التشييد عام 800 الهجري، وافتتح عام 803 الهجري.
وحرص السلطان الأشرف لدى بناء المسجد الذي حمل اسمه على الجمع بين العلم والعبادة، وألحق به مدرسة لتعليم القرآن الكريم والعلوم الشرعية والحديث والفقه وعلوم اللغة.
وظلت الأشرفية تُدرس المذاهب الأربعة بلا تعصب كما هو دين الدولة الرسولية، لكن نجمها خفت بانتهاء هذه الدولة أمام جيش بروسباي المملوكي عام 1516 الميلادي، وما تلاه من حروب بين أئمة اليمن وجيوش الاحتلال الأيوبي والتركي التي جعلت تعز مدينة خراب.
ويذكر مؤرخون أن ولاة الأوقاف أهملوا مدرسة الأشرفية، ولم يرمموا التشققات والتصدعات داخله. وضاعف من محنة هذه المدرسة اتخاذها، باستثناء المسجد، مدبغة للجلود.
وبُني أساس المسجد من أحجار صلبة جرى جلبها من سائلة الماء القريبة من المكان. واستخدم في البناء الطوب الأحمر ومادة القضاض التي تتضمن النورة وحصى صغيرة تعرف باسم النيس، ما منحه لونه الأبيض المميز.
ويتضمن المسجد مئذنتين تؤامين بارتفاع 35 متراً تقعان في جهتيه الشرقية الجنوبية والغربية الجنوبية. ولكل مئذنة بدن وقاعدة مرتفعة وتنبثق منها مئذنة مبنية على الطراز الرسولي، وتتوّج قمتها قبة متوسطة الحجم، ما يمنحها شكلاً معمارياً فريداً ومميزاً بالأشكال الهندسية البديعة التي تزخرفها.
ويتضمن المسجد أيضاً ثماني قبب صغيرة وقبة كبيرة في الوسط جرى تصميمها جميعها بشكل معماري منحها هيئة مميزة نتيجة التناغم مع المئذنتين.
ويتميز المسجد بالنقوش والزخارف والخطوط الإسلامية التي تزين جدرانه الداخلية وقبابه ومحرابه، ويتضمن منحوتات حجرية ومشربيات خشبية هي نقوش تكشف تطوّر العمارة الإسلامية في ظل حكم الدولة الرسولية. وتبلغ مساحة بيت الصلاة 50 ذراعاً طولاً و25 ذراعاً عرضاً، وتتسع لنحو 200 مصلٍ.
وتضم باحة المسجد قبور السلطان الأشرف وأولاده، وهي ثمانية أضرحة للملك الأشرف إسماعيل، وابن الملك الأشرف الأول أحمد الناصر، والابن الثاني للملك الأشرف محمد المفضل، وحفيد الملك الأشرف عبد الله المنصور بن الناصر أحمد، وحفيد الملك الأشرف شمس الدين بن أحمد الناصر، وحفيد الملك الأشرف هزبر الدين بن أحمد الناصر، وحفيد الملك الأشرف عمر المجاهد بن محمد المفضل، والملك الظاهر أو المؤيد، آخر ملوك الدولة الرسولية.
وللمسجد ثلاثة أبواب رئيسية هي باب شرقي وباب جنوبي وباب غربي، وثمانية أبواب في قاعة الصلاة، وثمانية أبواب في الفصول الداخلية، وثمانية أبواب في الفصول الخارجية، و12 باباً في قسم الحمامات. وللمقبرة خمسة أبواب. وفي المداخل ثلاثة أبواب، وبابان للمنارتين، إضافة إلى ثلاث خزنات جدارية.
وعلى حجر الأساس الأول كتبت عبارة "بدأت العمارة في هذه المدرسة السعيدة في ثاني ربيع آخر سنة 800"، وعلى حجر الأساس الثاني عبارة "أمر بعمارة هذه المدرسة المباركة مولانا وملكنا السلطان بن السلطان السيد الأجل الملك الأشرف ممهد الدنيا والدين إسماعيل ابن العباس بن علي بن داوود بن يوسف خلد ملكه ونصره".
ونتيجة للمكانة التاريخية التي يتميز بها مسجد الأشرفية، وُضعت صورته على العملة اليمنية من فئة 100 ريال، باعتباره من أبرز المعالم التاريخية الإسلامية.
وتعرّض مسجد ومدرسة الأشرفية لمخاطر هددت بانهياره بسبب استخدام الإمام أحمد يحيى حميد الدين الذي حكم اليمن بين عامي 1948 و1962، نهاية المسجد مدبغةً للجلود، وأيضاً بسبب الملوحة الموجودة في المواد التي استخدمت في بنائه، ما أثر سلبا على الأساسات، واستدعى ترميمه مرات، من بينها خلال الفترة بين عامي 2005 و2015 على يد خبراء إيطاليين. وحصل الترميم وفقاً لمعاير منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونيسكو).
وخلال الحرب التي شهدتها اليمن منذ عام 2015، أصيبت المنارة الشرقية للمسجد بقذيفة أطلقها الحوثيون، ما تسبب في سقوط جزء من شرفة المنارة، كما تعرض المسجد للعديد من طلقات القناصة التي حطمت بعض النوافذ والقمريات.
وباعتباره من أهم الآثار الإسلامية في اليمن، يحرص كثيرون على زيارة المسجد الذي يقع في المدينة القديمة ويضم عدداً من المساجد، مثل مسجد المظفر وقبة الحسينية والمدرسة المعتبية ومسجد وضريح الشيخ عبد الهادي السودي.
يقول عبد القادر الصبري لـ"العربي الجديد": "مسجد ومدرسة الأشرفية مفخرة الدولة الرسولية في تعز التي حكمت اليمن وصولاً إلى مكة، وذاعت شهرتها نتيجة تطور العلوم الدينية والدنيوية فيها، وتولى علماء دين اشتهروا بالعدل والحق حكمها، فكانوا فعلياً رجال دين ودولة".
ويتميز المسجد بالنقوش والزخارف التي تكشف تطور اليمن خلال تلك الفترة. ويعدّ من أبرز معالم اليمن، وزارته شخصيات عالمية مهمة عدة، من بينها الكاتب الألماني الحائز جائزة نوبل في الآداب غونتر غراس الذي أبدى دهشته بما شاهده من نقوش وزخارف داخل المسجد".
ووصف زوار مهمون المسجد بأنه "لوحة فنية مكتملة خصوصاً قاعة الصلاة، والكتابة الموجودة في العقود والقباب تحكي فلسفة حوار الأديان عن طريق الزخرفة التي كانت الهواية المفضلة لملوك الدولة الرسولية".
وبحسب متخصصين في الآثار، بُني المسجد والمدرسة بإمكانات مضاعفة سمحت بصمودهما مئات السنين في وجه الإهمال والعبث، بحسب من أرّخوا لمعالم الحقبة الرسولية، في وقت انهارت عشرات المدارس المماثلة.
العربي الجديد