العالم يتأهب لتفشي متحور «أوميكرون» ويتسلّح بقيود السفر
ارتفع منسوب القلق مجدداً في الدوائر الصحية العالمية بعد رصد متحور فيروسي جديد في جنوب أفريقيا، فيما تستمر وتيرة سريان الوباء صعوداً في جميع البلدان الأوروبية التي تتأهب لجولة جديدة من قيود العزل وتدابير الوقاية الصارمة.
وسجلت خمس دول على الأقل، هي جنوب أفريقيا وبتسوانا وهونغ كونغ وإسرائيل وبلجيكا، إصابات محدودة بالمتحور الذي أطلقت عليه منظمة الصحة العالمية اسم «أوميكرون»، والذي يخشى العلماء أن يكون أكثر قدرة على الانتشار وأكثر مقاومة للقاحات المعتمدة ضد (كوفيد - 19).
- حظر السفر
وحظرت دول عبر العالم الرحلات الجوية الآتية من جنوب القارة الأفريقية. وأعلن كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول آسيوية وعربية إغلاق الحدود أمام المسافرين الوافدين من دول في أفريقيا الجنوبية.
واعتباراً من الاثنين، سيمنع الأفراد الآتون من جنوب أفريقيا وبوتسوانا وزيمبابوي وناميبيا وليسوتو وإسواتيني وموزمبيق ومالاوي من دخول الأراضي الأميركية، بحسب مسؤول أميركي كبير لفت إلى أن هذا القرار يستثني المواطنين الأميركيين، ومن يحملون إقامة دائمة في الولايات المتحدة.
كما حظرت بريطانيا كل الرحلات الجوية الآتية من جنوب أفريقيا وخمس دول مجاورة لها، اعتباراً من ظهر الجمعة. وعبرت بريتوريا عن استيائها من قرار لندن بشكل خاص. وقالت وزارة خارجيتها في بيان إن جنوب أفريقيا تحترم «حق كل الدول باتخاذ تدابير الوقاية الضرورية لحماية مواطنيها»، لكنها ترى القرار «متسرعاً»، لا سيما أن منظمة الصحة العالمية لم تتخذ قراراً بعد حول «التدابير المستقبلية» التي يجب اتخاذها.
من جهتها، اعتمدت دول الاتحاد الأوروبي توصية المفوضية الأوروبية بتعليق الرحلات من وإلى دول أفريقيا الجنوبية التي رصدت إصابات بالمتحور الجديد، حتى «نكتسب فهماً أفضل للمخاطر التي تطرحها هذه السلالة»، كما جاء على لسان رئيستها أورسولا فون دير لايين. وأعلن وزير الصحة الألماني المنتهية ولايته ينس سبان، أن ألمانيا ستمنع غالبية الرحلات الجوية من جنوب أفريقيا. وأوضح الوزير أنه سيُسمح فقط للمواطنين الألمان بالعودة إلى البلاد، مع وضعهم بالحجر الصحي لمدة 14 يوماً حتى لو كانوا ملقحين.
كذلك، أعلنت فرنسا تعليقاً فورياً للرحلات الآتية من سبع دول في جنوب القارة الأفريقية، بينها جنوب أفريقيا، بعد «اكتشاف متحورة جديدة لفيروس (كورونا) مثيرة للقلق». وأوضح مكتب رئاسة الحكومة الفرنسية أنه سيتم العمل بالإجراء على الأقل لثمانٍ وأربعين ساعة.
بدورها، قررت إيطاليا منع كل شخص كان في أفريقيا الجنوبية خلال الأيام الـ14 الأخيرة، من دخول البلاد.
وفي آسيا، أعلنت سنغافورة أنها سترفض اعتباراً من (الأحد) دخول مسافرين وافدين من سبع دول في جنوب القارة الأفريقية، باستثناء مواطنيها والمقيمين الدائمين فيها. وقالت وزارة الصحة إن غير السنغافوريين وغير المقيمين الذين سافروا حديثاً إلى هذه الدول «سيُمنعون من دخول سنغافورة أو حتى المرور فيها». وسيخضع المواطنون والمقيمون القادمون من هذه الدول لحجر من عشرة أيام. كما أعلنت ماليزيا المجاورة تدبيرات مماثلة.
من جانبها، أكدت وزارة الصحة الإسرائيلية رصد إصابة بالمتحور الجديد على أراضيها. وأوضحت الوزارة «سجلت إصابة لدى شخص عائد من مالاوي»، مشيرة إلى الاشتباه بـ«حالتين أخريين لدى شخصين عائدين من الخارج» وُضعا في الحجر الصحي. ووضعت الحكومة 7 دول على «القائمة الحمراء»، التي يُمنع الدخول منها إلى إسرائيل.
- تقييم المتحور
عقدت منظمة الصحة العالمية، أمس (الجمعة)، اجتماعاً طارئاً للنظر في التقارير والبيانات الواردة عن المتحوّر الجديد الذي ظهر في جنوب أفريقيا، ووصفته مصادر صحية محليّة بأنه «مثير للقلق». وأفادت المنظمة الدولية بأن نفس المتحوّر كان قد رُصد أيضاً في هونغ كونغ وإسرائيل، وهو يتميّز بما يزيد على ثلاثين تحوّر مقارنةً بالفيروس الأصلي الذي ظهر أواخر عام 2019 في الصين.
وينكبّ خبراء منظمة الصحة على تحليل المتحوّر الجديد الذي أطلق صفّارات الإنذار في الدوائر الصحية، لمعرفة سرعة سريانه ومدى فتكه ومقاومته للقاحات المتداولة حالياً. وفي أوّل تعليق رسمي للمنظمة الدولية على هذا التطور الجديد، قال الناطق باسمها كريستيان ليندماير، إن «الأمر يحتاج لأسابيع لتحديد قدرة السلالة على الانتشار وفاعلية اللقاحات والأدوية في مواجهتها». وكان ليندماير قد أدلى بهذا التصريح في أعقاب الاجتماع الطارئ الذي عقده خبراء المنظمة في جنيف، حيث شدّد مرة أخرى على أهمية تعميم اللقاحات على جميع بلدان العالم بأسرع وقت ممكن، وعدم التراخي في تطبيق تدابير الوقاية حتى في البلدان التي تسجّل معدلات عالية في التغطية اللقاحية.
من جهتها، قالت ماريا فان كيرخوف عالمة الأوبئة ورئيسة الفريق التقني المعني بـ«كوفيد - 19» في المنظمة: «لا نعلم الكثير حتى الآن. ما نعلمه هو أن هذه السلالة المتحورة تحتوي على عدد كبير من الطفرات. المقلق هو أنه عندما يكون هناك الكثير من الطفرات، فقد يكون لذلك تأثير على سلوك الفيروس».
- تشديد القيود
في غضون ذلك، عادت ألمانيا لتسجّل رقماً قياسياً جديداً في عدد الإصابات اليومية الذي تجاوز 76 ألفاً وما يزيد على 360 حالة وفاة، ما دفع وزير الصحة إلى وصف المشهد الوبائي بأنه «مأساوي»، داعياً مواطنيه إلى أقصى درجات المسؤولية والحذر. وكانت الجمهورية التشيكية أيضاً قد سجّلت رقماً قياسياً آخر في عدد الإصابات اليومية الذي ضاعف أرقام الذروة خلال المرحلة الأولى من الجائحة، فيما أعلنت معظم المستشفيات الكبرى في البلاد عن بلوغها أقصى طاقتها الاستيعابية في وحدات العناية الفائقة.
إلى جانب ذلك، من المقرر أن تعرض المفوضية الأوروبية ظهر اليوم (السبت)، على الدول الأعضاء مشروع توصية يربط إصدار شهادة التلقيح، أو ما يُعرف بالجواز الأخضر، بتناول الجرعة الإضافية من اللقاح، وخفض فترة صلاحية الشهادة من سنة إلى تسعة أشهر. وفي حال اعتماد هذه التوصية، ستصبح حريّة التنقّل بين بلدان الاتحاد مشروطة بتناول الجرعة المعززة من اللقاح، علماً بأن شهادة التلقيح باتت إلزامية لممارسة الكثير من الأنشطة الاجتماعية وارتياد الأماكن العامة في عدد من البلدان الأوروبية. وتقترح المفوضية أن يدخل التدبير الجديد حيّز التنفيذ اعتباراً من 10 يناير (كانون الثاني) المقبل.
- شهادة التلقيح
وتقول مصادر المفوضية إن خفض صلاحية شهادة التلقيح مردّه إلى القرائن التي أظهرت تراجع فاعلية اللقاحات مع مرور الوقت، وضرورة زيادة التغطية اللقاحية لاحتواء موجة السريان الجديدة. وكان المركز الأوروبي لمكافحة الأمراض السارية والوقاية منها قد أوصى بإعطاء الجرعة الإضافية لجميع الذين تجاوزوا الأربعين من العمر، بعد مرور ستة أشهر على تناول الجرعة الأولى كاملة.
وتقترح المفوضية أيضاً أن تكون التدابير الاحترازية بعد التنقّل داخل بلدان الاتحاد، مثل الاختبار أو الحجر الصحي، مرهونة بشهادة التلقيح وليس بمصدر التنقّل، باستثناء المناطق التي تسجّل مستويات متدنية من التلقيح ومعدلات سريان عالية، والتي يحددها المركز الأوروبي أسبوعياً في خارطته الوبائية.
وقال المفوّض الأوروبي لشؤون العدل ديدييه ريندرز، إن الهدف الرئيسي من هذه التوصيات هو توحيد التدابير الأوروبية بالنسبة إلى توزيع الجرعة الثالثة من اللقاح التي ستصبح اعتباراً من الآن أساسية في المعركة ضد الفيروس.
وأضاف ناطق بلسان المفوضية أن الكرة الآن في ملعب الدول الأعضاء التي يجب أن تتحرّك بسرعة أمام هذا التطور الجديد، وأن تحرص على تنسيق التدابير التي ستتخذها.